للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمهور ذهبوا إلى حرمة أكلها لحديث مسلم: "كل ذي ناب من السباع فأكله حرام" (١)، وقال مالك: يكره ولا يحرم، لظاهر قوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية [الأنعام: ١٤٦]، وأجيب عنه بأن الآية ليست إلا الإِخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرمًا إلا المذكورات، ثم أوحى تحريم: "كل ذي نابٍ من السباع"، فوجب قبوله والعمل به.

هذا ويقال: ولغ الكلب في الإِناء، وفي الشراب، ومنه: ولغ يلغ كيهب شرب ما فيه بأطراف لسانه، وأدخل لسانه فيه فحركه، كذا في (القاموس) وفي (المصباح): ولغ الكلب، كمنع، شرب، وسقوط الواو كما في يقع وكوعد، وورث، ويوغل، كيوجل لغة، ثم سؤر السباع نجس، عند أبي حنيفة، وأحمد، ووافقهما الشافعي في سؤر الكلب والخنزير، وقال مالك: بطهارة السؤر مطلقًا.

٤٥ - أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بَلْتَعَةَ: أن عمر بن الخطاب خرج في رَكْبِ فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض، هل تَرِدُ حوضَك السِّباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تُخْبِرْنا، فإنا نَرِدُ على السِّبَاع وَتَرِدُ علينا.

قال محمد: إذا كان حوض ماء عظيم، إن حرَّكت منه ناحية لم تتحركْ الناحيةُ الأخرى، لم يُفْسِد ذلك الماءَ مَا وَلَغَ فيه، من سَبُع ولا وقع فيه من قَذَرٍ، إلا أن يُغَلَب عَلى ريح أو طَعْمِ؛ وإذا كان حوضًا صغيرًا، إن حركتَ منه ناحيةً تَحَرّكَتْ الناحية الأُخرى؛ فَوَلَغَتْ فيه السِّبَاع، أو وقع فيه القَذَرُ، فلا يُتَوضأ منه ألا ترى أن عمر بن الخطاب كره أن يُخْبِرَهُ، ونهاه عن ذلك، وهذا كله قول أبي حنيفة.


(٤٥) صحيح، أخرجه: مالك (٤٥)، وعبد الرزاق في مصنفه (٢٥٠)، والدارقطني (١/ ٣٢)، والبيهقي في الكبرى (١٢٢٨).
(١) أخرجه: مسلم (١٩٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>