ولابن سعد: فأسفر الناس بصلاتهم حتى خافوا طلوع الشمس فقدَّموا عبد الرحمن فصلى بهم سجدة، أي: ركعة من صلاة الفجر، هذا من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل، وأشار بهذا المعنى الذي أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال:"أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد"، هذا حديث صحيح.
وفي مسلم:"وهو ساجد"، و"ما" في قوله: "أقرب ما يكون العبد"، مصدرية، وأقرب مبتدأ حذف خبره، ولفظ يكون من الأفعال التامة، أي: أقرب وجود العبد إلى ربه حاصل وقت سجوده.
وزاد أحمد: قال المغيرة بن شعبة: فأردتُ تأخير عبد الرحمن فقال - صلى الله عليه وسلم -: "دعه".
وعن ابن مسعود: فانتهينا إلى عبد الرحمن، وقد ركع ركعة، فسبح الناس له حين رؤوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى كادوا يفتنون، فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص، فأشار إليه - صلى الله عليه وسلم -: أن اثبت، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى الركعة التي بقيَتْ، فَفَزع الناسُ له، أي: فصاحوا لأجل النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه سبقهم بالصلاة ففزع الناس، وأكثروا التسبيح، رجاء أن يشير لهم هل يعيدونها معه أم لا؛ لظنهم أنه أدركهم من أولها، وأن قيامه لأمر حدث، كأنهم ظنوا الزيادة في الصلاة كما زعم بعضهم لتصريحه.
في رواية ابن سعد: بأنهم علموا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخل معهم، فسبحوا حتى كادوا يفتنون، ثم قال: لهم: "قد أحسنتم"، أي: فعلتم الصلاة لوقتها.
ولفظ مسلم وأبي داود: ثم صلى الركعة الثانية ثم سلم عبد الرحمن فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، ففزع المسلمون وأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم:"قد أحسنتم"، وفيه اقتداء الفاضل بالمفضول، وصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف بعض أمته.
وروى البزار عن الطريق مرفوعًا:"ما قبض نبي حتى يؤمه رجل من أمته"(١).
* * *
(١) أخرجه: البزار في مسنده (٣)، وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه بهذا الإِسناد، ولا نعلم أحدًا سمَّى الرجل الذي روى عنه عاصم بن كليب فلذلك ذكرناه.