للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكي, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، أي: ثلاث ليال من وقت التضحية، واختلف في أنه كان نهي تحريم أو تنزيه، وصححه المهلب لقول عائشة: التضحية كنا نملح منها، ونقدد (ق ٦٦٠) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فقالوا: لا نأكل إلا ثلاثة أيام، قالت: وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يطعم منه، والله أعلم.

ثم قال بعد ذلك أي: سنة أخرى: "كلوا وتزوّدوا وادَّخروا".

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعلم إلا بما رواه جابر، لا بأس أي: لا كراهة بالادخار بعد ثلاث، والتزوّد، أي: وبالتزود وأيضًا بعد ثلاث، وقد رخّص في ذلك أي: فيما ذكر من الادخار والتزود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كان نهى عنه، أي: عما ذكر، فقوله الآخِرُ ناسخٌ للأوَّل، وهو نص يزيل حكم النص الآخر، كما في (صحاح الجوهري). والنسخ بفتح النون وسكون السين المهملة والخاء المعجمة: التغيير، كما يقال: نسخت الريح آثار الدار إذا غيرتها.

والحاصل: أن النسخ فيه جهتان، ففي حق الله تعالى بيان محض لانتهاء الحكم الأول ليس فيه معنى التبديل؛ لأنه كان معلومًا عند الله تعالى أنه ينتهي في وقت كذا بالناسخ، فكان الناسخ بالنسبة إلى علمه تعالى مبينًا للمدة، وفي حق البشر تبديل؛ لأنه أزال ما كان ظاهر الثبوت، ولحقه شيء آخر، وهذا على مثال القتل؛ فإنه بيان انتهاء أجل المقتول عند الله تعالى؛ لأن المقتول ميت بانقضاء أجله عند أهل السنة والجماعة، إذ لا أجل له سواه، وفي حق العباد تبديل وتغيير وقطع للحياة المظنون استمرارها لولا القتل؛ فلهذا يترتب عليه القصاص وسائر الأحكام، لأنا أمرنا إيراد الأحكام على الظواهر، كذا قاله عبد اللطيف بن الملك في (شرح المنار)، فلا بأس أي: لا كراهة بالادّخار والتزوُّد من ذلك، أي: من لحم الضحايا، وهو أي: جواز الادخار من لحوم الضحايا، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.

* * *

٦٣٦ - أخبرنا مالك, أخبرنا أبو الزبير المكيّ، أن جابر بن عبد الله أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد ذلك: "كُلوا وادَّخروا وتَصدَّقُوا".


(٦٣٦) انظر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>