للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَبِّر كَبِّر" أي: قَدِّم الأكبر، وأن يبدأ في الكلام والتكرار للتأكيد والاهتمام في المرام، يريد السن، إرشاد إلى الأدب في تقديم الأسن، وفيه أن المشركين في معنى من معاني الدعوة وغيرها كالمسلمين في ابتداء الكلام أكبرهم، فإذا سمع منهم تكلم الأصغر فيُسمع منه إن احتيج له، فإن كان فيهم من له بنان ولتقديمه وجه فلا بأس بتقديمه، وإن صغر، قاله ابن عبد البر. وأخرج بسنده أنه قدم وفد من العراق على عمر بن [عبد] (*) العزيز، فنظر عمر إلى شاب منهم يريد الكلام، فقال: كبروا، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك، قال: صدقت: تكلم - رحمك الله - فقال: أما وقد شكر. . . فذكر الخبر. انتهى.

وحقيقة الدعوى إنما هي لعبد الرحمن أخي القتيل لاحق لابن عمه فيها، فإنما أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يتكلم الأكبر لأنه لم يكن المراد حينئذٍ الدعوى بل سماع صورة القصة وعند الدعوى يدعى المستحق أو المعني، أن الأكبر يكون وكيلًا له، كذا قاله الزرقاني (١).

فتكلم حُويِّصة، ثم تكلم مُحَيِّصة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي: لليهود المُدعى عليهم: "إما بكسر الهمزة أن تَدُوا صاحبَكم بفتح الفوقية وخفة الدالة المهملة، أي: تعطوا أيها اليهود دية صاحبكم، وإما أن تؤذنوا أي: تعلموا بحرب"، أي: من الله ورسوله، هذا تهديد وتشديد أن لا قدرة لهم على حربه - صلى الله عليه وسلم - مع ما هم فيه من غاية الذلة وكناية عن نسخ الجزية وترك الإِجارة، فكتب إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتبًا بالكتب إلى اليهود في ذلك أي: الجنس الذي نقل إليه هذا على تقدير إقرارهم وعدم إنكارهم، فكتبوا أي: اليهود له أي: لجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا والله ما قتلناه، وزاد في رواية: وما علمنا قاتله، هذا حكاية قول الجميع؛ لأن الواحد منهم إذا حلف يقول: ما قتلتُ ولا علمتُ له قاتله، لا ما قتلناه لجواز أنه قتله وحده، فإذا حلف ما قتلناه كان صادقًا في يمينه؛ لأنه لم يقتله مع غيره؛ فإن قيل: يجوز في ما قلت أن يكون قتله مع غيره كان في يمينه كاذبًا؛ لأن الجماعة متى قتلوا واحدًا كان كل واحد منهم قاتلًا، ولهذا يجب القصاص على كل واحد منهم في العمد والكفارة في الخطأ، كذا حققه بعض الحنفية، فإن قيل: المراد بقوله: ما قتلناه ما قتله واحد، فيقال: يحتمل أن يكون صادقًا في نفسه؛ إلا أنه


(١) في شرحه (٤/ ٢٥٧).

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين سقط من المطبوع

<<  <  ج: ص:  >  >>