للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتقرب إلى الله أولًا بنصحه بأمره بالتوبة والستر، فلما ثبت على الإِقرار تقرب ثانيًا إلى الله، واحتج الحنفية والحنابلة بظاهره في اشتراط الإِقرار أربع مرات، وأنه لا يكفي بما دونها قياسًا على الشهود، وأجاب المالكية والشافعية في عدم اشتراط ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، ولم يقل ارجع مرات، وبحديث الغامدية إذا لم ينقل أنه تكرر إقرارها، وإنما قرر على ماعز بن مالك، لأنه شك في عقله، ولذا قال: "أبك جنون؟ "، وقال لأهله: "أيشتكي؟ أبه جنة؟ "، فإن الإِنسان غالبًا لا يصبر على إقرار ما يقتضي هلاكه من غير سؤال، مع أن له طريقًا إلى سقوط الإِثم بالتوبة، ولذا سأل أهله مبالغة في تحقيق حاله وصيانة دم المسلم، فيبنى عليه الأمر لا على مجرد إقراره بعموم الجنون، فإنه لو كان مجنونًا له يعذر قوله أنه وليس به جنون لأن إقرار المجنون ليس بمعتبر قال ابن عبد البر: وفيه الجنون المعتوه لا حد عليه، لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفِعَ القلم عن ثلاث: الصبي والمجنون والنائم"، وأن إظهار الإِنسان ما يأتيه من الفواحش جنون لا يفعله إلا المجانين، وأنه ليس من شأنه ذي العقول كثرة ما يلزم ستره والاعتراف به عند السلطان وغيره، وإنما من شأنهم الستر (ق ٧٤٠) على أنفسهم والتوبة.

وكما يلزمهم الستر على غيرهم يلزمهم الستر على أنفسهم، وإن وجد غير حد البكر، ولا خلاف فيه لكن قيل: من العلماء رأى على الثيب الجلد والرجم، وروي ذلك عن علي وعبادة بن الصامت، وتعلق به داود وأصحابه والجمهور أن الثيب يرجم ولا يجلد، وقال الخوارج والمعتزلة: لا يرجم مطلقًا، وإنما الحد الجلد لثيب أو بكر، وهو خلاف إجماع أهل السنة والجماعة، كذا قاله الزرقاني (١).

* * *

٧٠١ - أخبرنا مالك، أخبَرنا يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلٍ من أسلم يُدْعَى هزَّالًا: "يا هزَّال، لو سترته بردائك كان خيرًا لك".


(١) في شرحه (٤/ ١٦٩).
(٧٠١) إسناده ضعيف، وصل الحديث أبو داود (٤٣٧٧)، (٤٣٧٨)، وأخرجه أيضًا النسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (٩/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>