للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف في وقت تحريم الخمر، فقيل: سنة أربع بعد الهجرة، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة ثمان، قال الحافظ: وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس، أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري: أنه كان يهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل عام راوية خمر، فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال: "أشعرت أنها قد حرمت بعدك؟ " قال: أفلا أبيعها وأنتفع، فنهاه، ففي هذا تأييد الوقت المذكور، فإن إسلام تميم الداري كان بعد الفتح. وروى أصحاب السنن عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل قوله تعالى في سورة البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآية [البقرة: ٢١٩]، فقرأت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل في قوله تعالى في سورة النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣]، فقرأت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل في قوله تعالى في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠، ٩١].

قال عمر رضي الله عنه: انتهينا، صححه علي بن المدني والترمذي، انتهى.

وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها، وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث، والواقدي أنه عقد قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين، ويرد عليه حديث الصحيح عن جابر: اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء. ثم أحذر أن يخطر ببالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب الخمر قبل تحريمها، فلا يلزم من أهدى الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب، بل يهديها أو يتصدق بها، أو نحو ذلك، وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه، وهو لم يشرب الخمر المحضرة من الجنة ليلة المعراج، وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به، وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، وتابعه يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن وعلة في مسلم أيضًا، كذا قاله الزرقاني.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>