الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة، عن أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي رضي الله تعالى عنه، أنه قال: كنتُ أي: قبل تحريم الخمر أسقي بفتح الهمزة أو ضمها أبا عُبيدة بالتصغير، اسمه: عامر بن الجرّاح، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأبا طلحة، وهو زيد بن سهل الأنصاري، زوج أم أنس، وجد إسحاق، وأبي بن كعب وهو سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم، زاد في رواية لمسلم، وأبو دجانة، وسهيل بن بيضاء، ومعاذ بن جبل، وأبا أيوب، شرابًا من فضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة، وسكون التحتية والخاء المعجمة، شراب يتخذ من البسر المكسور حتى يسكر بسرعة، وتمر لمسلم من طريق قتادة عن أنس أنه قال: أسقاهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر.
وللبخاري من طريق بكر بن عبد الله عن أنس: أن الخمر حرمت يومئذ التمر والبسر، ولأحمد عن حميد عن أنس: حتى كان الشراب يأخذ فيهم، ولابن أبي عاصم: حتى مالت رؤوسهم، قال أنس: فأتاهم آت أي: فجاءهم رجل، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، فقال: إن الخمر قد حُرِّمَتْ، فقال أبو طلحة: أي: زيد بن سهل، وهو زوج أم أنس لربيبه الساقي: يا أنس قم إلى هذه الجِرار بكسر الجيم، جمع جرة، التي فيها الشراب المذكور، فاكسرها أي: اسكب ما فيها، قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا بكسر الميم وسكون الهاء، فراء مهملة، فألف وسين مهملة، أي: حجر مستطيل ينقر ويدق فيه، ويتوضأ، وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب، فقيل لها: مهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب، وغيرها، فضربتها أي: الجرار بأسفله حتى تكسّرت.
وفي رواية إسماعيل عن مالك فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، وفي رواية لمسلم: سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل، فيه حجة قوية في قبول خبر الواحد؛ لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا، حتى قدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضاه من صب الخمر وكسر أوانيها.
وأخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل، وفي الجر الواحد عن يحيى بن قزعة، ومسلم في الأشربة من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به، وله طرق عندنا وعند غيرهما، قال أبو عمر: هذا الحديث وما كان مثله يدخل في المسند عند الجميع.