للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبب الخلاف أن النهي عن المزابنة وقع مقرونًا بالرخصة في العرايا؛ ففي الصحيح (١): نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها، وفي الحديث دلالة أن الرخصة إنما هي فيما يكال فيحتج به، لأحد القولين يعني المشهور بتعميمها في التمر، وكلها يبيس ويدخر كالزبيب وغيره.

قال القرطبي: وهو الأول؛ لأن النص إنما هو في التمر.

قال محمد: وبهذا نأخذ أي: لا نعمل إلا بما رواه هنا أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وذكر مالك بن أنس: بن مالك بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من كبار أتباع التابعين أن العريَّة إنما تكون أي: قصتها وحالتها أن الرجل يكون له النخل أي ملكًا له والنخل اسم جنس مفرد النخلة فيطعمُ أي: فيهب الرجل المالك الرجل أي: المسكين منها أي: من جملة النخل ثمرة نخلة أو نخلتين أي: من بستانه يلقطها بضم القاف أي: يأخذها لعياله، جملة استئنافية متضمنة للتعليل أو حالية ثم يثقل عليه أي: يشق على مالكها دخوله أي: دخول الرجل المعطي في فك يوم حائطه أي: بسبب ما أو لا يرضى بالخلف في الوعد والرجوع في الهبة فيسأله أن يتجاوز له عنها، أي: يسامح له عن أخذها بعينها على أن يعطيه أي: بدل عنها بمكيلتها أي بمقدار ما يكال به ويقاس عليه تمرًا، عند صِرام النخل بكسر الصاد المهملة أي: جذاذها وقطع ثمرها، وحاصله أنه يعطيه مكان ذلك تمر مجذوذ بالخرص لدفع ضرره عن نفسه.

فهذا كله لا بأس به عندنا، لأن التمر كله كان للأول، فهو يعطي منه ما شاء، فإن شاء سلم له تمرًا لنخله، أي: ليأخذ من ثمرها وإن شاء أعطاه بمكيلتها أي: بمقدارها من التمر: لأن هذا أي: العطاء كله لا يجعل بيعًا، أي: حقيقة بل مجازًا. وخلاصته أن الموهوب لا يصير ملكًا للموهوب له ما دام متصل بملك الواهب فما يعطيه من الثمر لا يكون عوضًا بل هبة مبتدأة، وإنما سمي بيعًا لأنه في صورته ولو جعل بيعًا أي: حقيقيًا لما حل تمر بتمر إلى أجل أي: لدخول الربا فيه من جهتين عدم التساوي والنسيئة، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالتمر كما رواه الشيخان وأبو داود عن سهل بن أبي حثمة (٢)،


(١) البخاري (٢٠٦٢)، ومسلم (١٥٨٨).
(٢) تقدم قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>