للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقوي ما في مسلم أن الجن سألوا الزاد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا" لأن ضرورته لحمًا إنما يكون للأكل حقيقية، وروى ابن عبد البر عن وهب بن منبه تلميذ أبي حنيفة: الجن أصناف فغالبهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، وصنف تفعل ذلك ومنهم السعالي والغيلان والقطرب.

قال الحافظ: وهذا إن شئت جامعًا للقولين، ويؤيده ما لابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعًا: "الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يحملون ويظعنون ويرحلون" (١).

ولابن أبي الدنيا: مرفوعًا نحوه، لكن قال في الثالث: "وصنف عليهم الحساب والعقاب" انتهى.

قال السهيلي: ولعل الصنف الطيار هو الذي لا يأكل ولا يشرب إن صح القول به، وقال صاحب (أكام المرجانَ): وبالجملة فالقائلون الجن لا يأكل ولا يشرب إن أرادوا جميعهم فباطل، لمصادمة الأحاديث الصحيحة وإن أرادوا وأصنفًا منهم فمحتمل لكن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون انتهى.

وأخذ جماعة من ظاهر الحديث حرمة الأكل بالشمال ووجوبه باليمين ولصحة الوعيد في الأكل بالشمال ففي مسلم (٢) عن سلمة بن الأكوع أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رأى رجلًا يأكل بشماله، فقال: "كل بيمينك"، قال: لا أستطيع. فقال: "لا استطعت ما منعه إلا الكبر"، فما رفعها إلى فيه بعد أي: فما استطاع رفعها بعد ذلك إلى فمه، وأخرج الطبراني ومحمد بن الربيع الجيزي بسند صحيح عن عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أخذها داء عزة" فقيل: أو بها قرحة فقال: "وإن" فمرت بغزة فأصابها الطاعون فماتت، وأجيب بأن الدعاء ليس بترك المستحب بل لقصد المخالفة كبرًا بلا عذر، فدعا على الرجل فشلت يمينه والمرأة فماتت، وبهذا لا يرد أن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - المقصود به الزجر لا الدعاء الحقيقي، والحديث رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه


(١) أخرجه: ابن حبان (٦١٥٦) والحاكم (٣٧٠٢) والطبراني في "الكبير" (٢٢/ ٢١٤) حديث (٥٧٣).
(٢) أخرجه: مسلم (٢٠٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>