للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: نخصك بالعبادة من توحيد وغيره، وقدم المعمول إفادة للاختصاص وللحصر، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: إنما نطلب العون منك على العبادة وغيرها، فهذه الآية بيني وبين عبدي.

قال الباجي - من علماء المالكية -: معناه أن بعض الآية تعظيم للباري تعالى، وبعضها استعانة من العبد به - تعالى - على أمر دينه ودنياه. انتهى.

فالذي لله تعالى منها إياك نعبد، والذي للعبد إياك نستعين، كذا قاله الزرقاني (١)، فيه تلميح وإشارة إلى الحديث القدسي؛ الذي رواه أبو هريرة (٢) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم"، كما أورده البخاري. قوله: أنا عند ظن عبدي بي: معناه: أنا أعامل العبد على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني.

والمراد الحث على حسن الظن بالله في نفسه، وتغليب الرجاء على الخوف، والظن هنا بمعنى اليقين والاعتقاد، لا بمعنى الشدة.

وقوله: أنا معه؛ أي: مع عبدي بالعون والتوفيق وبالعلم، أي: أنا عالم به وبأقواله وأفعاله، لا يخفى عليَّ شيءٌ من الأشياء.

قوله: فإن ذكرني في نفسه: أي: سرًا وخفية مجتنبًا عن الرياء.

قوله: ذكرتُه في نفسي: أي: أثيبه وأنا أجزي به، أي: أكافئ به لا آمر أحد من خلقي أن يعطيني أجره.

قوله: وإن ذكرني في ملأٍ، أي: بين جماعة من المؤمنين.

قوله: ذكرتُه في ملأٍ خير منهم، أي: يريدهم الملائكة المقربين، وأرواح المرسلين، كما قاله ابن الملك في (شرح المصابيح).


(١) انظر: شرح الزرقاني (١/ ٢٥٥).
(٢) أخرجه: البخاري (٦٩٧٠)، ومسلم (٢٦٧٥)، والترمذي (٣٦٣٠)، والنسائي (٧٧٣٠)، وابن ماجه (٣٨٢٢)، وأحمد (٧٣٧٤)، وابن حبان (٨١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>