أو يُقال: كل ذلك لم يكن، أي: لم أنس، ولم تقصر، كما في أكثر طرق حديث أبي هريرة، وهو يؤيد قول أصحاب المعاني: لفظ كل إذا تقدم على النفي كان نفيًا لكل فرد للمجموع؛ لأنه من باب تقوية الحكم؛ فيفيد التأكيد في المسند والمسند إليه، ولا يصح أن يقال فيه: بل كان بعضه بخلاف ما إذا تأخر.
كما إذا قيل: لم يكن كل ذلك إذ لا تأكيد فيه. فيصح أن يقال: بل كان بعضه، ولذا أجابه ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، قدْ كان بعض ذلك، أي: القصر عمدًا، أو النسيان سهوًا، وأجابه، وفي رواية أخرى: يقول: بل قد نسيت؛ لأنه لما نفى الأمرين وكان مقررًا عند الصحابي، أن السهو لا يجوز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان، لا القصر، وهو حجة لمن قال: لا يجوز السهو على الأنبياء - عليهم السلام - فيما طريقه التشريع، وإن كان عياض حكى الإِجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال البليغية، وخص الخلاف بالأفعال، لكنهم تعقبوه، نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه، بل يقع له بيان ذلك إما متصلًا بالفعل، كما في هذه القصة، وإما غير متصلًا، كذا قاله الزرقاني (١).
فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس أي: على المأمومين، فقال:"أصَدَقَ ذو الْيَدَيْنِ؟ "، أي: فيما أخبره من القصر، فقالوا: نعم، أي: صدق، فأتمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقَى عليه من الصلاة، وهو الركعتان، ثم سجد سجدتين، أي: للسهو مثل سجوده للصلاة، أو أطول كما في السجدة الصلبية، وهو أي: الحال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، قوله: بعد التسليم تأكيد لما قبله.
قيل: كيف تكلم ذو اليدين، والقوم وهم بعد في الصلاة؟ وأجيب بأنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في الصلاة؛ لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين.
قال ابن الملك: وفيه ضعف؛ لأن قول ذي اليدين بعض ذلك قد كان، وقولهم: نعم، إنما كان بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن"، فكيف جوزوا النسخ، وأجاب بعضهم بأن هذا كان خطابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجوابًا له، وذلك لا يبطل الصلاة عندنا، وفي رواية