قعدتهما التي بعدهما، ويدعُو أي: ابن عمر، أي: ظهر إذا قضى تشهده، وهذا محمول عند أبي حنيفة على السنن والنوافل، وأجازه مالك في رواية ابن نافع، والمذهب رواية علي وغيره عنه كراهة الدعاء في التشهد الأول؛ لأن المطلوب تقصيره في القعدة الأولى، ووجوب سجود السهو إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، في القعدة الأولى من الفرائض.
وقد حُكِيَ أن أبا حنيفة رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منامه يقول له: لم أمرت بالسجدة لمن صلى عليَّ في جلوسه الأول من صلاته الرباعية؟ فقال: يا رسول الله، فإنه صلى عليك، بلا قصد، فتبسم رسول الله، ورضي عنه بهذا الجواب، كما في (البحر الرائق).
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم النفي على الإثبات فى قوله: "لا إله الا الله"، وتقديم الإثبات على النفي في قوله:"الله لا إله إلا هو"؟
قال بعض العارفين: إنما قدم النفي على الإِثبات، ردًا على مزاعم الشريك ومدعيه؛ لأن المناسب في لسان العرب من طرق البلاغة والفصاحة أن يجاب مدعي الإِثبات بالنفي، وهو من أسرار البلاغة المحمدية.
وقيل: إنما قدم النفي على الإِثبات؛ ليفرغ الموحد قبله فيما سوى الله - تعالى - ليواطئ اللسان القلب، فإذا أفرغه عن غيره أثبت فيه الله، حتى لا يكون مع الله غيره، ولا يكون مشغولًا بشيء غيره؛ لأن القلب المشغول بغيره - تعالى - كيف أن يذكر الله - تعالى - مع ذكر غيره.
وإنما قدم الإِثبات في قوله:"الله لا إله إلا هو" نظر إلى حقيقة التوحيد؛ لأن الموجود المطلق هو الله - تعالى - وما سواه هالك، إلا وجهه.
فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك، أي: كما سيق، إلا أنهُ يُقدِّم التشهد أي: يقدم ما يشمل بشهادتين، ثم يدعو بما بَدَا أي: ظهر لهُ، أي: مما لا يسأل من الناس، كما هو مقتضى القياس.
وقال طاووس، والنخعي، وأبو حنيفة: لا يدعو في الصلاة إلا بما في القرآن، كذا أطلق ابن بطال وجماعة، عن أبي حنيفة.
والموجود في كتب الحنفية: أنه لا يدعو في الصلاة، إلا بما في القرآن، وثبت في الحديث؛ أو كان مأثورًا أعم من أن يكون مرفوعًا، أو غير مرفوع لكن ظاهر الحديث يرد