فلما قال ذلك - صلى الله عليه وسلم -، إحسانًا منه: شهد الملكوت الأعلى والسموات والأرض، وجبريل، بوحي وإلهام فقال كل واحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أي: أعلم وأتيقن ألوهية الله - تعالى - وعبودية محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته، فيقصد المصلي - إن شاء - هذه الألفاظ مرادة له، قاصدًا معناها الموضوعة له من عنده، كان المصلي يحيي الله ويثني عليه، ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى نفسه وعلى أولياء الله تعالى، خلافًا كما قال بعض العلماء: إنه حكاية سلام الله تعالى، لا ابتداء سلام من المصلي، كذا في (سلم الفلاح).
قال محمد: وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يَكْرَهُ أن يُزَادَ فيه حرفٌ أو يُنقص منه حرفٌ. وهذا يدل على غاية حفظه، ونهاية ضبطه.
وذكر ابن الهمام، قال: أبو حنيفة: أخذ حماد بيدي وعلمني التشهد، وقال: حماد: أخذ إبراهيم النخعي: بيدي وعلمني التشهد، وقال إبراهيم النخعي: أخذ علقمة بيدي، وعلمني التشهد، وقال علقمة: أخذ عبد الله بن مسعود بيدي وعلمني التشهد، وقال عبد الله بن مسعود: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي وعلمني التشهد، ما يعلمني السورة من القرآن، وكان يأخذ علينا بالواو والألف واللام. انتهى.
والمعنى أنه كان يقول: التحيات لله والصلوات، بالواو العاطفة وبالألف واللام في موضعي السلام، بخلاف حديث ابن عباس، وروى مسلم والأربعة بلفظ:"التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، وفي رواية الترمذي والنسائي، هنا في الموضعين سلامٌ بالتنكير:"أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، فاختاره الشافعي؛ لزيادة المباركات، وهي موافقة (ق ١٤٦) لقوله تعالى في سورة النور: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}[النور: ٦١]، واختار أبو حنيفة وجمهور العلماء، تشهد ابن مسعود، رضي الله عنه؛ لأنه أصح في (شرح المنية).
وحُكي أعرابيًا دخل على أبي حنيفة، وهو جالس مع أصحابه فقال: أبواوٍ أم بواوين؟
فقال أبو حنيفة: بواوين، فقال بارك الله فيك في: لا، ولا، فلم يعلم أحد