نفسه محركًا للإِقبال على ذلك الحقيق بالسلام، على قدر الحقيق به عند الله تعالى كيف كان؛ فإنه تعالى صلى عليه أولًا بالذات، وأخبر المؤمنين بصلاة المؤمنين على النبي، عليه السلام، ثانيًا ثم أمرهم بها عليه ثالثًا، فقال في سورة الأحزاب:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: ٥٦].
وفي الخبر عن علي رضي الله عنه، أن لفظ هذه الآية نداء النفس، أي: نداء القلب، وها نداء الروح كأنه - تعالى - يقول: عظموا أيها المخاطبون شأن محمد - صلى الله عليه وسلم - في وقت الصلاة عليه، بنفوسكم وقلوبكم وأرواحكم لا بلسانكم فقط، فرد الله - تعالى - على النبي بمقابلة الصلاة بقوله: ورحمة الله، أي: إحسانه تعالى عليك أيها النبي، ورد الله تعالى عليه البركة بمقابلة الطيبات، بقوله: وبركاته، أي: زيادته من كل خير.
قيل: أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج على الله تعالى بالتحيات لله والصلوات والطيبات، بإلهام من الله تعالى، رد الله تعالى على رسوله وحياه (ق ١٤٥) بمقابلة التحيات بقوله: السلام عليك أيها النبي، ورد الله تعالى على الرحمة بمقابلة الصلوات، بقوله: ورحمة الله، ورد الله عليه البركة بمقابلة الطيبات، بقوله: وبركاته، بمناسبة كل واحد منها الآخر من الآخر، أما مناسبة السلام بالتحيات؛ فلأنه تحية السلام، وأما مناسبة الرحمة للصلوات فلأنها بمعناها، وأما مناسبة البركات بالطيبات فلكونها النمو والكثرة، فلما أفاض الله بإنعامه على نبيه بالثلاثة، والنبي أكرم خلق الله تعالى وأجودهم عطف بإحسانه من ذلك الفيض، بإخوانه الأنبياء، والملائكة، وصالح المؤمنين من الإِنس والجن، فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، جمع صالح، وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده، فعمهم به.
كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم إذا قلتم بها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض"(١)، وليس شيء أشرف من العبودية في صفات المخلوقين، وهو الرضا بما يفعله الرب، والعبادة ما يرضيه، والعبودية: أقوى من العبادة؛ لبقائها في العقبى بخلاف العبادة.