للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم، فعوض مد الباء من الهمزة المحذوفة، ثم أضيف إلى لفظ الجلالة فسقطت التنوين؛ لأن بينهما التضاد؛ لأن التنوين تقتضي الانفصال والإضافة تقتضي الاتصال، وجمعهما في حالة واحدة متعذرة.

وإنما قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولم يقل: بالله؛ لأن التبرك والاستعانة بذكر اسمه تعالى أو للفرق بين اليمين والتيمين، وقيل: هو - أي: لفظ الله - مشتق من أله بفتح الهمزة بمعنى: عَبَدَ على بناء المفعول، فحذفوا الهمزة تخفيفًا فصار له بالتنوين، ثم أدخل الألف واللام للتعريف فصار ال له بالتنوين، ثم حذفت التنوين فصار ال له بغيرها، فاجتمعت في الكلمة الواحدة حرفان من جنس واحد، الأولى ساكنة والثانية متحركة، فأغمت الأولى في الثانية فصار الله لكنه في الأصل يستعملون لكل معبود، ثم غلب على المعبود بالحق كما نقلناه في (توضيح الأسرار شرح بركات الأبرار)، فعلم من هذا أن الاسم غير المسمى؛ لأن الاسم يتألف أصوات مقطعة غير قارة، ويختلف باختلاف الاسم والأعصار، ويتعدد تارة، ويتحد أخرى، والمسمى لا يكون كذلك خلافًا للمعتزلة وإنما يستدل على اتحاد حكمًا لو أريد به ذات الشيء لكنه لم يشهد بهذا المعنى.

وقوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٧٨]، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١]، المراد به اللفظ؛ لأنه كما يجب تنزيه ذاته وصفاته عن النقائص، يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن سوء الأدب والرفث، وتقرير هذا الكلام هو أن يعلم أن الاسم مثلًا يطلق تارة ويراد به المسمى، وهو الغالب الشائع، ويطلق أخرى ويراد به الاسم، ويتعين أحدهما إذا اقتضاه المقام فحيث يقال: ضرب زيدٌ، وضربتُ زيدًا، فالمراد به المسمى لا غير؛ لأنه هو الذي يتصف بالضاربية والمضروبية كما لا يخفى, وحيث يقال: زيد ثلاثي ساكن الوسط وآخره وَزْنُ فَعْل, والمراد به اللفظ, وهو واضح تصورًا ونقلًا عن اللغة وتتبعًا للاستعمال، إذا تقرر هذا فلفظ الله يطلق تارة ويراد به المسمى حيث يقال الله تعالى، خالق الأشياء كلها، وصانع العالم، وأخرى يراد به اللفظ، حيث يقال: لفظ الله عربي أو سرياني مشتق ومنقول، وهذا المقام مما يتعين فيه اللفظ دون المسمى، إذ التبرك والتيمن من الأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>