"إنَّما مَثَل صاحب القرآن بفتح الميم والثاء المثلثة المفتوحة، واللام، أي: صفة الذي يتلوه ناظرًا إلى المصحف، والذي يتلوه بظهر القلب، ويفهم ما فيه، كَمَثَلِ صاحب الإبل المُعْقَلَة، بتشديد القاف المفتوحة وتخفيفها. والمعنى أن القرآن كالإبل المعقلة، وهي المشددة بالعقال بكسر العين، وهو يعقل أي: يربط رجله من الحبال، إن عَاهَدَ أي: زاع صاحب الإِبل عليها أي: مع حفظها بربطها، على أن كلمة على بمعنى مع، كقوله تعالى في سورة البقرة:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ}[البقرة: ١٧٧]، أمْسَكَهَا جواب أن، أي: دام له إمساكها وانتفع بها، وإن أطْلَقَهَا أي: إن حل وثاقها من رجلها وأرسلها صاحبها ذهبَتْ أي: على رأسها، وفات له منافعها، وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس، شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحب القرآن بصاحب الإِبل، فإن صاحب الإِبل إن راعى حقها ومشربها ومباركها وغيرها انتفع منها، وإلا فلا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "القرآن شافع مشفع، وما حل مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار". وفي الحديث رد بمذهب الجبرية، من الفرق الضالة؛ فإنهم ذهبوا إلى أنه لا فعل للعبد أصلًا، وإن حركاته بمنزلة الجمادات، لا قدرة للعبد عليها، (ق ١٧٥) ولا قصد ولا اختيار، وهذا باطل، لأنا نفرق بالضرورة بين حركة البطش، وحركة الارتعاش.
ونعلم أن الأول باختياره دون الثاني، وهو إلى الاختيار فعل ما ظهر به الشيء، كذا عرفه سيد الشريف الجرجاني.
ولأنه لو لم يكن للعبد فعل أصلًا لما صح تكليفه، ولا ترتب استحقاقه الثواب والعقاب على أفعاله، كقوله تعالى في سورة السجدة:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة: ١٧]، كما قاله سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد لعمر النسفي).
لما فرغ من بيان حكم الذكر المشروع، شرع في بيان حكم الذكر غير المشروع، فقال: هذا