للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥]، ويحتمل أنه أمر لهم بالاهتمام، ولكن أضاف إلى نفسه، لارتباط فعلهم بفعله. انتهى.

وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة بالطعام قبل الصلاة، وفي قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام؛ لأنه بدأ في كل منهما بأصل ما دُعي لأجله، قال أنس: فقمت إلى حَصِير أي: حصيف لنا أي: مستعمل كان قد أسودّ من طول أي: زمان ليس أي: استعمل فيه.

قال الرافعي: لأنه يريد فرش ما فرش فلقد لبسته الأرض، وهذا كما أن يستر به الكعبة، والهودج سمي لباسًا لهما، كما ذكره السيوطي (١).

ولعل الوجه أن يقال: لأن اللباس قد يستعمل بمعنى الفراش، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧]، فنضحته أي: غسلت الحصير غسلًا خفيفًا بماء، أي: ليلين لا لنجاسته، قاله إسماعيل القاضي، وقال غيره: النضح ماتر ماء طهور، لما شاء فيه فتطيب النفس، كما قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر.

وقال عمر: ثوب المسلم محمول على الطهارة حتى تيقن النجاسة، فالنضح الذي هو الرش، لقطع الوسوسة فيما شك فيه.

قال سعيد بن زيد الباجي - المالكي: الظاهر إنما نضح كما خاف أن يناله من النجاسة؛ لأنهم كانوا يلبسونه ومعهم صبي، فنضح، فقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيه جواز الصلاة على الحصير، وما رواه ابن أبي شيبة وغيره، عن شريح بن هانئ، أنه سأل عائشة رضي الله عنها: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير، والله يقول: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: ٨]، قالت: لم يكن يصلي على الحصير (٢).

ففيه يزيد بن المقدام ضعيف، وهذا الخبر شاذ مردود، لمعارضة ما هو أقوى منه كحديث الباب، وبما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له حصير يبسطه، ويصلي عليه (٣).


(١) انظر: تنوير الحوالك (١/ ١٣٠).
(٢) أخرجه: أبو يعلى (٤٤٤٨) بسند ضعيف.
(٣) أخرجه: البخاري (٦٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>