للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه الطلب إلا من أذن له فيه، والصلاة لا تنفك عن كونها طلبًا ودعاء، فناسب الافتقار.

واستدل بحديث الشفاعة؛ حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم، بأن الله غضب غضبًا لم يغضب مثله، ولا يغضب بعده مثله، سوى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعتذر بل طلب؛ لأنه أذن له في ذلك.

ويمكن أن يقال: تسجر جهنم، أي: تحمى بسبب فيحها، وفيحها سبب وجود الحر، وهو مظنة المشقة؛ التي هي مظنة سلب الخشوع، فناسب أن لا يصلي فيها، لكن يرد عليه أن سجرها في جميع السنة، والإِيراد مختص بشدة الحر، فهما متغايران، فحكم الإِيراد دفع المشقة، وحكم الترك وقت سجرها، لكونه وقت ظهور أثر الغضب، قال الحافظ: واستدراكه مبني على مذهبه من الاختصاص، أما على مذهب مالك من ندب الإِبراد في جميع السنة، ويزداد لشدة الحر قد استدرك.

وذكر أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو بالإِسناد المذكور، وهم من جعله موقوفًا على أبي هريرة، أو معلقًا وقد أفرده أحمد في (مسنده)، ومسلم من طرق أخرى عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكر أن النار اشْتكت إلى ربها عز وجل، بلسان المقال - كما رجحه - فحول الرجال ابن عبد البر، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا، وقيل: شكواها بلسان الحال، أو تكلم خازنها، أو من شاء الله عنها، قال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر، ولا رجح حمله على الحقيقة، أنطقها الله الذي أنطق كل شيء.

ورجح البيضاوي المجاز فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، فأذِن لها في كل عام بَنفَسَيْن، بفتحات وسكون الياء والنون بعدها تثنية نَفَس، وهو ما يخرج من الجوف، ويدخل فيه من الهواء، فشبه الخارج من حرارتها، وبردها إلى الدنيا بالنفس الخارج من جوف الحيوان، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، هما بالجر على البدل، أو البيان، ويجوز الرفع بتقدير أحدهما.

وقال الزين بن المنير: المختار الحقيقة (ق ١٨٨) في اشتكائها داخل بعضها ببعض، والنفس لصلاحية القدرة لذلك؛ ولأن استعارة الكلام المحال لكن الشكوى وتغييرها والتعلل له بالإِذن والقبول والنفس وقصره على الاثنين فقط بعيد عن المجاز، خارج عما ألف من استعماله، كما قاله الزرقاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>