وروى بعض المتأخرين كأئمة الحلواني وغيره إلى حافظ الدين البخاري التفرقة بين صيغ الأداء بحسب افتراق التحمل فيخصون الحديث والسماع بما يلفظ به الشيخ وسمع الراوي عنه، والأخبار بما (ق ٩) يقرأ به التلميذ على الشيخ، وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي والشافعي وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلًا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني وسمعت، ومن سمع مع غيره جمع فقال: حدثنا وسمعنا، ومن قرأه بنفسه على الشيخ أفراد فقال: أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره جمع فقال: أخبرنا، وكذا خصوا الإنباء بالإِجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه، وكل هذا مستحسن عندهم، وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلف بالاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته، نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور؛ لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن يجوز عنها احتاج إلى الإِتيان بقرينة تدل على مراده وإلا، فلا يُؤمن من اختلاط المسموع بالمجاز وبعد تقرر الاصطلاح ولا يحتمل ورد من ألفاظ متأخرين على محل واحد بخلاف المتقدمين، هذا واختلفوا في القراءة على الشيخ: هل تساوي السماع من لفظه، أو هي دونه، أو فوق؟ على ثلاثة أقوال، فذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والنجار إلى التسوية بينهما، وذهب أبو حنيفة وابن أبي ذئب إلى ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه، ورواه الخطيب في (الكفاية) عن مالك أيضًا والليث بن سعد، وشعبة وابن لهيعة ويحيى بن سعيد ويحيى بن عبد الله بن بكير وغيرهم، وذهب جمهور أهل المشرق إلى ترجيح السماع من لفظ الشيخ على القراءة عليه.
قال زين الدين العراقي: وهو الصحيح، قلت: ولعل وجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن والحديث على أصحابه، فيأخذون عنه، وكذا كانوا يؤدونها إلى التابعين وأتباعهم، كذا قاله علي القاري في (شرح الشمائل).
قال الكرماني: إنه إذا قرأ الشيخ على التلميذ يقال: حدثنا، وإذا قرأ هو على الشيخ يقال: أخبرنا، كما مر عن يزيد متعلق بأخبرنا حال من الفاعل المذكور، أو المفعول المقدر، أي: أخبرنا مالك هذا الحديث حال كونه راويًا عن يزيد أو مرويًا عنه، وجوز كونه استينافًا بيانيًا جوابًا لمن سئل عمن يحدثه، كذا قاله في (شرح الشمائل)، وهو بالتحتية المفتوحة والزاي المعجمة والتحتية الساكنة وبعدها دال مهملة غير منصرف للعلمية ووزن الفعل