للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب أبا محمد المُنْكَدِر بن عبد الله، تابعي من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، يُكنى أبا عبد الله، دخل على عائشة رضي الله عنها، فشكى إليها الحاجة، فقالت: أول شيء يأتني أبعث به إليك، فجاءتها عشرة آلاف درهم، فقالت: ما أسرع ما امتُحِنْتِ به يا عائشة؛ وبعثت بها إليه، فاتخذ منها جارية فولدت له بنوه: محمد، وأبو بكر، وعمر، وكلهم يذكر بالصلاح والعبادة ويحمل عنه الحديث.

وقيل: قالت له: ألك ولد؟ قال: لا، فقالت: لو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك، فما أمست حتى بُعِثَ إليها بمال، فقالت: ما أسرع ما ابتُلِيتِ، وبعثت إلى المنكدر بعشرة آلاف درهم، فاشترى منها جارية فهي أم محمد، وأبي بكر، وعمر.

قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة، ثم استقامت، وكان ربما قام الليل يصلي، ويقول: كم من عين الآن ساهرة في رزقي.

وكان له جار مبتلى، وكان يرفع صوته بالليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته بالحمد، فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة. وبينما هو ذات الليلة قائم يصلي إذا استبكا فكثر بكاؤه، حتى فزع أهله، وسألوه: ما الذي أبكاه؟ فاستعجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى ابن أبي حازم، فجاء، فقال: يا أخي ما الذي أبكاك، فقال: مرت بي آية من كتاب الله تعالى في سورة الزمر: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧]، فبكى ابن أبي حازم، واشتد بكاؤه، فقال بعض أهله: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما أبكاهما، قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن في ولده وولد ولده، وفي دويرات حوله، فما يزالون في خفض دعائه فيه ما كان بين أظهرهم، كذا قاله أبو الفرج ابن الجوزي في (طبقاته) (١).

في الركعتين أي: يضرب عمر بن الخطاب المنكدر بن عبد الله، بسبب الركعتين بعد صلاة العصر. وفي رواية: كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر، أي: يُعَذَّر من صلى بعد العصر، ويؤدبه، وخصت الأيدي لكونها توفع عند عقد الصلاة.


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>