للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يصلي ثلاثًا، أي: ثلاث ركعات، الوتر غير فصل، كما هو الظاهر، قالت: أي: عائشة - كما في (الموطأ) لمالك - فقلت: يا رسول الله أتنام بهمزة الاستفهام الإِخباري؛ لأنها لم تعرف النوم قبل الوتر، مع أنه واجب يخاف فوته بالنوم قبل أن تُوتر؟ فإنه لا ينام حتى يوتر، وكان مقررًا عندها أن لا نوم قبل الوتر، فأجابها - صلى الله عليه وسلم - بأنه ليس كغيره، فقال: "يا عائشة، عيناي تنامان ولا ينام قلبي".

قال النووي: هذا من خصائص الأنبياء عليهم السلام. انتهى.

لأن القلب إذا قويت حياته لا ينام إذا نام البدن، ولا يكون ذلك إلا للأنبياء عليهم السلام، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا"، ولذا قال ابن عباس وغيره من العلماء: وبالأنبياء وحي ولو سلط النوم على قلوبهم كانت رؤياهم كرؤيا سواهم، ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام حتى ينفخ، ثم يصلي ولا يتوضأ؛ لأن الوضوء إنما يجب بغلبة النوم على القلب، لا على العين ولا يعارض نومه بالوادي ليلة التعريس؛ لأن رؤية الفجر بالعين لا بالقلب. قال ابن عبد البر (١): وفي هذا الحديث تقديم وتأخير؛ لأن السؤال بعد ذكر الوتر، ومعناه بأنه كان ينام قبل صلاته، وهذا يدل على أنه كان يقوم ثم ينام ثم يقوم ثم ينام ثم يقوم فيوتر، ولذا جاء الحديث: أربعًا ثم (ق ٢٤١) أربعًا، ثم ثلاثًا، أظن ذلك والله أعلم.

ومن أجل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينام بينهن، فقالت: أربعًا ثم أربعًا، تعني بعد النوم، ثم ثلاثًا بعد النوم، ولذا قالت: أتنام قبل أن توتر؟ وقد قالت أم سلمة: كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما ينام، ثم ينام قدر ما صلى. الحديث.

يعني فهذا شاهد لحمل خبر عائشة رضي الله عنها على ما ذكره، وأخرجه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن يوسف، وفي الصلاة عن إسماعيل، وفي الصفة النبوية عن القعنبي، ومسلم عن يحيى، وأصحاب السنن الثلاثة عن قتيبة، وعن طريق ابن القاسم، وابن مهدي، والترمذي من طريق معن الثانية عن مالك به، كذا قاله الزرقاني (٢).

* * *


(١) في التمهيد (٢١/ ٧٢).
(٢) الزرقاني في شرحه (١/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>