للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في آخر الليل أفضل، أو لأنه كان لا يصلي معهم إما لشغله بأمور الناس، وإما لانفراده بنفسه في الصلاة، فقال: أي: عمر، كما في (الموطأ) لمالك: نعْمَت البِدْعَة هذه، أي: هذه بدعة حسنة؛ إذ أصل البدعة ما أحدث على غير مثال سابق، ويطلق في الشرع على ما يقابل السنة، أي: ما لم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم - وما يخالف السنة فهو ممنوع، والتي أي: الساعة أو الصلاة ينامون عنها أي: يغفلون عنها أفضل من الصلاة التي يقومون أي: الناس، وفي نسخة أخرى: ينامون، وتقومون بالفوقية، يريد أي: عمر بن الخطاب آخر الليل، والمعنى أن العبادة في آخر الليل أفضل من أوله، ولا سيما مع إخفاءها، وكان الناس أي: والحال أنهم يقومون أوَّله.

قال الحافظ ابن حجر: هذا صريح منه بأن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله، وقد أثنى تعالى على المستغفرين بالأسحار، وقال أهل التأويل في يعقوب صلوات الله على نبينا وعليه في حق أولاده: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ} [يوسف: ٩٨]، أخرهم في الدعاء إلى وقت السحر؛ لأنه أقرب للإِجابة، ويأتي حديث: "ينزل ربنا تعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير"، وتأويله ينزل ملك من ملائكة الله تعالى (١) فيقول حاكيًا من قوله تعالى: "ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه ... " الحديث.

قال محمد: وبهذا كلّه أي: بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه نأخذ، أي: نعمل ونفتي بأنه لا بأس أي: لا كراهة بالصلاة في شهر رمضان، أن يُصَلِّي الناس أي: صلاة التراويح تَطَوُّعًا أي: بطريق التطوع لا باعتبار الوجوب بإمام أي: معه وإن كانت الجماعة بالنافلة بدعة مستحسنة؛ لأن المسلمين قد أجْمَعُوا على ذلك، حيث لم ينكر أحد من الصحابة على عمر هنالك، تم استمر عليه المسلمون، ورَأوْهُ حَسَنًا، أي: فإنه محض خير، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح" (٢). كذا رواه الإِمام أحمد في مسنده، وفي (ق ٢٤٥) نسخة:


(١) هذا خطأ بخلاف ما عليه السلف، والصحيح أنه ينزل نزولًا يليق به من غير كيف ولا تشبيه.
(٢) أخرجه: الحاكم في المستدرك (٣/ ٨٣)، وذكره الهيثمي في المجمع (١/ ١٧٨)، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، رجاله موثقون.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، ولم يخرجاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>