للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن يخبر عن صلاته بأن يقول: ثم صلى فيه وعدل عنه حكاية بحال الماضية، وفسرها صاحب (الكشاف) بأن تقدر أن ذلك الفعل القاضي واقع في حال المتكلم واستحضارًا بتلك الحالة الماضية عند المخاطبين، واسترارًا في قلوب السامعين، بأن ابن عمر صلى في الثوب الذي أصابه عرقه في حالة الجنابة قبل غسله؛ لأن عرق بني آدم طاهر بالاتفاق، لا فرق بين الصغير والكبير، والمسلم والكافر، والجنب والحائض، وكذا سؤرهم طاهر؛ لأن عرقهم وبصاقهم متولدان من لحمهم ولحومهم طاهرة، ولكن لا تؤكل لكراهتهم لا لخبثهم، حتى لو سال عرق المؤمن وأصاب ثوبه وبدنه أكثر من قدر الدرهم (ق ٢٧٩) لا يمنع جواز صلاته، كذا قاله الشرنبلالي في (مراقي الفلاح).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه، فذهب واغتسل، ثم جاء فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: كنتُ جنبًا، فكرهت أن أجالسك، وأنا على غير طهارة، فقال: "سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس" (١)، وتمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨]، وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء، لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عنها، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار؛ ولأنه يجب اجتنابهم كالنجاسة، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يجتنبون عن النجاسة ملابسون لها غالبًا، وحجة الجمهور أن الله تعالى أباح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يأمن منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من الغسل من الكتابية إلا بمثل ما يجب عليه من المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي، ليس بنجس العين، ولا فرق بين النساء والرجال، كذا قاله الزرقاني (٢).

قال محمد: وبهذا أي: بخبر نافع عن فعل ابن عمر نأخذ، أي: نعمل ونفتي بأنه لا بأس به أي: لا يمنع صحة صلاة المؤمن في ثوب أصاب به عرقه في حال الجنابة، وصلى فيه قبل غسله، ما لم يصب الثوب من المنيّ أي: ونحوه من المذي والدم وغيرهما


(١) أخرجه: البخاري (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١).
(٢) انظر: شرح الزرقاني (١/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>