للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدم هارون الرشيد الرقة فاجتمع الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة، وأشرفت أم ولد لهارون الرشيد من "تبرج" فصرخت فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة، يقال له: عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.

وأتى زمزم فاستقى ثم استقبل الكعبة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموال، حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ماء زمزم لما شُرِبَ له"، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شربه.

وكان إذا قرأ كتاب (الرقاق) فكأنه بقرة منخورة، أي: يصوت صوت البقرة من البكاء.

سأل رجل سفيان الثوري عن مسألة، فقال: من أين أنت؟ قال: من المشرق، قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق، قال: من هو؟ قال: ابن المبارك، قال: هو أعلم أهل المشرق، قال: نعم وأهل المغرب. وقال سفيان الثوري: نظرتُ في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيتُ (ق ٢٨٤) لهم عليه فضلًا إلا بصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغزوهم معه، وإني لأشتهي أن أكون سنة واحدة مثله فما أقدر، ولا ثلاثة أيام.

قيل له: إلى متى تكتب الحديث؟ [فقال] (١): لعل الحكمة التي أنتفع بها ما كتبتها بعد، وقال: خرج أهل الدنيا منها قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله تعالى، وقال: لأن أرد درهمًا من شبهة أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف حتى أبلغ إلى ستمائة ألف، وقيل له: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء، قال له رجل: أوصني، قال: اعرف قدرك، وقال له رجل: هل بقي من ينصح؟ فقال: هل تعرف من يقبل؟. . كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في (طبقاته) (٢).

أن أبا بكْرَة رضي الله عنه، بالتاء بعد الراء، صحابي من أهل ثقيف، نزل يوم الطائف ببكرة وأسلم فكَنَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكرة، وأعتقه، فهو من مواليه، ركع دون الصفّ أي: بقرب الصف، قبل أن يصل إليه، ثم مَشَى حتى وصل الصفّ، فلما قَضَى صلاته أي: أداها، كما قال تعالى في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي


(١) كلمة زدناها ليست في المخطوط ليستقيم المعنى.
(٢) انظر: صفة الصفوة (٤/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>