فهاجرت وأبو العاص على دينه، فاتفق أنه خرج إلى الشام في تجارة، فلما كان بقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه فيأخذوا ما معه ويقتلوه، فبلغ ذلك إلى زينب، فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدًا؟ قال:"نعم"، قالت: فاشهد أجرت أبا العاص، فلما بلغ ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجوا إليه بغير سلاح، فقالوا: يا أبا العاص إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهره، فهل لك في أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة؟ قال: يسير ما أمرتموني به، أن أنسخ ديني بعذر، فمضى حتى قدم مكة، فدفع إلى كل ذي حق حقه، ثم قام فقال: يا أهل مكة أوفيت ذمتي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقدم المدينة مهاجرًا، فدفع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجته زينب بنكاح جديد، ومات في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه في شهر ذي الحجة من سنة اثنتي عشرة من الهجرة، ابن الرُّبيع، بضم الراء وفتح الموحدة، وكسر التحتية المشددة، والعين المهملة بعدهما، وهو ابن عبد العزى بن عبد الشمس بن عبد مناف العبشمي، أمه: هالة بنت خويلة، كذا قاله ابن حجر العسقلاني (ق ٢٨٨) في (الإِصابة). فإذا سجد أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضعها أي: أمامة، وإذا قام حملها، أي: بعمل قليل في وضعها ورفعها.
وفي هذا الحديث إشارة إلى مرتبة الخواص كالأنبياء والصديقين، وإلى مرتبة العوام من المؤمنين، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى مرتبة الخواص بوضع أمامة رضي الله عنها حين سجد، فإنهم إذا شرعوا في صلاتهم قطعوا العلائق من غير ذكره تعالى، واشتغلوا بذكره تعالى، واستولت المعرفة الإِلهية على قلوبهم، وصاروا مستغرقين في مشاهدة نور الجلالة، وصفات الكبرياء، فلا يتفرغون لغير تفكره تعالى، كأنهم لا يعرفون غيره تعالى، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أفاد هذه الخصال بقوله:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه البخاري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من حديث الإِيمان، وأشار إلى مرتبة العوام من المؤمنين، بحمل أمامة رضي الله عنها حين قام إلى القيام، فإنهم إذا شرعوا في صلاتهم لا يعقلون علائق الدنيا عن قلوبهم، فإن منهم [الذي](١) إن نسي شيئًا وشرع في الصلاة فيخطر في قلبه، كما حُكي أن رجلًا دفن مالًا في زاوية بيته، وسأل أبا حنيفة ما
(١) ليست في المخطوطة، وزدناها ليصح المتن، (المحقق).