للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحليمي: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: ٧٣]، وقد علم من هذا أن محمد وآل محمد من أهل بيت إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: أجيبوا دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما أجبتم عندما قالوا في آل إبراهيم. انتهى. واستشكل بأن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه؛ لأن محمدًا وحده أفضل من إبراهيم وآله، وقضية ذلك أن الصلاة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصلت لغيره، وأجيب بأنه قال ذلك قبل علمه أنه أفضل من إبراهيم، وقال ذلك تواضعًا وشرعًا لأمته ليكتسبوا به الفضيلة، إنما هو صلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر كقوله تعالى في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: ١٦٣]، وكقوله في سورة القصص: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: ٧٧]، ورجَّح ما في (المفهم) من أن قوله: اللهم صل على محمد مقطوعًا عن التشبيه، فهو متعلق بقوله: وعلى آل محمد، وتعقب بأنه مخالف لقاعدة الأصول في رجوع المتعلقات إلى جميل الجمل، وبأن التشبيه قد جاء في بعض الروايات من غير (ق ٢٩٨) ذكر الآن، وبأن غير الأنبياء لم يكن أن يساووا الأنبياء، فكيف نطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإِبراهيم، والأنبياء من آله؟ ورد هذا بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم، لا جميع الصفات التي كانت سببًا للثواب، كذا قاله الزرقاني (١).

وعلى آل إبراهيم، قيل: معناه اجعل لمحمد وآله الصلاة منك، كما جعلتها لإِبراهيم وآله، وبارك على محمد وعلى آل محمد، أي: اثبت لهم وأدم لهم ما أعطيتهم من الشرف والكرامة، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في حيز النصب على أنه نصب للمصدر المؤكد، أي: بارك ما أعطيتهم مباركة طيبة، كما باركت على إبراهيم وآله، أو على أنه حال من المصدر العرف، أي: بارك عليهم البركة مشابهًا بما باركت على إبراهيم وآله، فما على الوجهين مصدرية، أو على أنه نعت لمصدر من لفظ المباركة، أي: بارك ما أعطيتهم مباركًا مماثلًا للبروك المثبت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فما موصولة أو على أنه حال من البروك، أي: بارك ما أعطيت على محمد وآله حال كونه مماثلًا لما برك على


(١) انظر: شرح الزرقاني (١/ ٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>