ما أحملهم عليه، ما تخلفت على سرية - وهي طائفة من الجيش - تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت. . . إلى آخره".
قال الطيبي: يعني - عليه السلام -: أريد أن أمشي إلى الغزو، ومع كل جيش من غاية فضل الجهاد، ولكن إن بعض أصحابي فقراء، وليس لهم مركوب، فإن ذهبت إلى الغزو وتركتهم في مقامهم لضاقت صدورهم بتخلفهم، أي: بتأخرهم عني ومفارقتهم إياي، وما كان لي مركوب أعطيتها إياهم. انتهى.
فيه سؤال هو: هل يجوز الدعاء بالشهادة، مع أنه يستلزم تمكين الكفار وغلبتهم على المسلمين، والقاعدة أن تمني المعصية لله (ق ٣٠٩) لا يجوز لعامة المسلمين، وكيف تتصور منه - صلى الله عليه وسلم - وقتل المؤمن معصية؟
الجواب: أن المطلوب قصدًا إنما هو نيل الدرجة الرفيعة بأي موت قدره الله تعالى وقضاه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الله تعالى الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه"، رواه مسلم، وأحمد والحاكم في الجهاد، عن سهل بن حنيف، رضي الله عنه.
ومن خصائص الشهداء: أن يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليُقتل ثانيًا، ثم وثم لكثرة ما يرى من الكرامات والدرجات التي أُعِدت لهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للشهيد عند الله ست خصال: الأول يُغفر له في أول دفقة - أي: أول قطرة - من دمه، والثاني: يرى مقعده من الجنة، والثالث: يجار - أي يحفظ - من عذاب القبر، والرابع: يأمن من الفزع الأكبر، قيل: هو عذاب النار، والخامس: يوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، وبزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، والسادس: يشفع في سبعين من أقاربه، أي: أحبابه"، رواه الترمذي وابن ماجه عن مقداد بن معدي كرب، رضي الله عنه، كذا فصلناه في (توضيح الأسرار شرح بركات الأبرار)، فراجع هنا إن أردت الشبع.
لما فرغ من بيان فضيلة الجهاد، شرع في بيان شهادة الحكمية والحقيقة، فقال: هذا