عائشة، وبعثت بها إليه، فاشترى بها جارية، فولدت له بنيه محمدًا وأبا بكر وعمر، وكلهم يذكر بالصلاح والعبادة، ويحمل عنه الحديث، قال محمد: كابدتُ نفسي أربعين سنة، ثم استقامت، وكان ربما قام الليل يصلي ويقول: كم من عين الآن ساهرة في رزقي، وكان له جار مبتلى فكان يرفع صوته من الليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته: يا أحمد، فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة، وبينا هو ذات ليلة قائم يصلي، إذا استبكى فكثر بكاؤه، حتى فزع أهله، وسألوه: ما الذي أبكاه، فاستحجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم، فجاء، فقال: يا أخي، ما الذي أبكاك؟ فقال: مرت بي آية من كتاب الله تعالى، وهي قوله فى سورة الزمر:{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر: ٤٧]، وأولها:{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[الزمر: ٤٧]، فبكى أبو حازم واشتد بكاؤه، فقال بعض أهله جئنا بك لتفرج عنه (ق ٣٢٢) فزدته، فأخبرهم ما أبكاهما، قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن ولده وولد ولده في دويراته ودويرات حوله، فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين أظهرهم.
وقال: بات أخي عمر يصلي، وبت أغمز رجل أمي، وما أحب ليلتي بليلة، وصلى على رجل فقيل له: تصلي على فلان؟ فقال: إني أستحي من الله تعالى أن يعلم مني أن رحمته تحجز عن أحد من خلقه، وقال: نعم العون على تقوى الله الغنى، وقيل له: أي العمل أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن، قيل: فما بقي مما تستلز؟ قال: الإِفضال على الإِخوان، وقال: الفقير يدخل بين الله وبين عباده، فلينظر كيف يدخل.
وقال ابن الماجشون: إن رؤية ابن المنكدر تنفعني في ديني، وجزع عند موته، فقيل له: لم تجزع؟ فقال: أخشى آية في كتاب الله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر: ٤٧]، فإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب، وأتاه صفوان وهو في الموت، فقال: كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه الأمر، وتجلى عن محمد حتى كان في وجهه المصابيح، ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عيناك، ثم قضى رحمه الله تعالى، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي، عن ربيعة عن عبد الله بن الهُدَيْرِ، (١) بالتصغير، التيمي، روى عن عمر وطلحة