اليمنى، بل على وضعها، أو يقال: إن قاصد المشي للعبادة أول ما يرفع اليمنى للمشي، فرتب الأجر على ابتداء العمل، فإن سَمع أحدكم الإِقامة أي: إقامة الصلاة للجماعة وهو ماشٍ إليها فلا يَسْعَ، على صيغة النهي، أي: لا ينبغي أن يسرع إليها ولا يعجل في مشية على هينته، لئلا يخرج عن الوقار المشروع في إتيان الصلاة، ولأنه ثقل به الخطأ، وكثرتها مرغب فيه بكثرة الحسنات ومحو السيئات كما ذكر.
فإن أعظمكم أجرًا أبعدكُم دارًا، عن المسجد، قالوا: لم؟ أي: لا شيء أصله لما فحذف الألف؛ لأن حرف الجر إذا أُدخلت على ما الاستفهامية، يحذف ألفها تخفيفًا للفظ الكثير، أو فرق بين ما الاستفهامية وما الإِسمية، أو إخبارًا عن شدة اتصال ما بحرف الجر حتى صار كالجزء منه، كما في قوله تعالى:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: ٢]، كما بيناه في (نور الأفئدة في تفسير عم يتساءلون)، يا أبا هريرة بُعد الدار أعظم أجرًا؟ قال: من أجل كثرة الخُطَا، بضم الخاء المعجمة وفتح الطاء: جمع خطوة بالضم، وفيه فضل الدار البعيدة عن المسجد.
وقد روى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري، والطبراني (١) عن ابن عباس، رضي الله عنهما، كانت بنو سلمة فيِ ناحية المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس: ١٢]. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن آثاركم تكتب" فلم ينتقلوا، أي: أعمالهم المندرجة فيها آثار خطاهم ولا يعارضه ما ورد أن من شؤم الدار بعدها عن المسجد، لأن من شؤمها من حيث أنه قد يؤدي إلى تفويت الصلاة بالمسجد، وفضلها بالنسبة إلى من يتحمل المشقة ويتكلف المسافة لإِدراك الفضل، فشؤمها وفضلها أمران اعتباريان، فلا تنافي، كما قاله الزرقاني.
قال علي القاري: والحاصل أن الحكم عليها بالشاقة؛ لأن الغالب فيها تفويت الجماعة، مع أنه يكره أو يحرم، ولو مرة بلا عذر، وأما تركها بعذر فلا يكره.
قال الشرنبلالي في (نور الإِيضاح ونجاة الأرواح): يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئًا منها: مطر، وبرد شديد، وخوف، وظلمة شديدة، وحبس معسرًا، ومظلوم، وعمى، وفلج، وقطع يد ورجل، وسقام، وإقعاد، ووَحل بعد انقطاع مطر،
(١) أخرجه: الترمذي (٣٢٢٦)، والحاكم (٣٦٠٤)، والبيهقي في الشعب (٢٨٩٠).