للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن عمر يقول: إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّب ببكاءِ الحيِّ، أي: من أهله عليه، فقالت عائشة: يغفر الله لابن عمر، أي: يسامحه فيما ذكر، أما بفتح الهمزة والميم المخففة، والألف حرف تنبيه، أنه أي: ابن عمر لم يكذب، أي: في نقله، ولكنه قد نَسِيَ أي: سبب ورود قوله، أو أخطأ أي: تأويله، وحمل الحديث على عمومه، إنما مَرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على جنازة يُبْكَى عليها أي: بصيغة المجهول، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم أي: أصحاب الجنازة لَيبْكُونَ عليها أي: على الجنازة، وإنها لَتُعَذَّب في قبرها"، أي: بذنبها، ولم ينفعها بكاؤهم عليها، وليحيى: إنما مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودية يبكي عليها أهلها، فقال: "إنكم لتبكون عليها، وإنها لتُعذب في قبرها".

قال محمد: وبقول عائشة رضي الله عنها نأخذ، أي: نعمل، فإنه مطابق لقوله تعالى في سورة الإِسراء: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥]، وهو أي: قول عائشة، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، وهو لا ينافي في ما سبق من قول الجمهور، (ق ٣٣٨) أن تأويله أنه إن كان وصى بالنياحة أو رضي بالنياحة أو قصر في الوصية حينئذٍ تؤاخذ بالجناية، كذا قاله علي القاري.

فإن قيل: هل للأرواح مقر بعد خروجها عن الأبدان قلت: أرواح المؤمنين في عليين، وأرواح الكافرين في سجين، وللروح بالبدن اتصال بحيث يصح أن يخاطب ويسلم عليها ويسأل ويعرض مقعدها، وغير ذلك مما ورد في شأنها لها شيئان: الدنيوي فيكون في مقرها هناك، وإنما يأتي الغلط من قياس هنا قياس الغائب على الشاهد، فيعتد أن الروح من جنس ما يُعهد من الأجسام إذا شغلت مكانًا لم يكن أن يكون في غيره، وهذا غلط محض، لقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج موسى عليه السلام قائمًا يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة، فالروح كانت هناك في مثال البدن، ولها اتصال بالبدن بحيث يصلي في قبره، ويرد على المُسَلِم عليه، وهو في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين، فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، وقد مثل بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض، كروح المحمدي يرد من يصلي عليه قبره، وإنما مع القطع أن روحه في أعلى عليين، وهو - عليه السلام - لا ينفك عن قبره, كما ورد عنه.

فاعلم أن أمور البرزخ والآخرة على نمط غير المألوف في الدنيا، والحاصل أنه ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>