للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لا دخل للغسل في صحة الصوم وفساده، ولهذا لو استمر أحد على جنابته طول نهاره أو احتلم في أثنائه لم يضر صومه بالاتفاق، فكذلك الحكم في أول جزية لكن اعتقد الرجل أن ذلك من خصائصه؛ لأن الله تعالى يحل لرسوله ما شاء فقال الرجل: أي: يا رسول الله إنك لستَ مثلنا؛ كان الرجل لم يكن غالبًا في قيام المبني ولا في قيام المعنى وإلا فحقه أن يقول: إنا لسنا مثلك فلا يقاس حالنا على حالك، وإنما عدل عنه لشأنه - صلى الله عليه وسلم - وبين ذلك بقوله: فقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، أي: ستر وحال بيتك وبين الذنب فلا يقع منك ذنب أصلًا؛ لأن الغفر الستر وهو إما بين العبد والذنب وإما بين الذنب وعقوبته فالأليق بالأنبياء الأول وبأممهم الثاني فهو كفاية عن العصة. هذا قول في غاية الحسن كذا قاله الزرقاني (١) فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل: قوله: فغضب معارض بقوله تعالى في سورة النون: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] وخلقه - صلى الله عليه وسلم - أن لا يغضب على أحد وأن يعفو عمن ظلمه كما قال - صلى الله عليه وسلم - جوابًا لمن سأله عن أفضل العمل بأن يقول: "حسن الخلق وهو أن لا تغضب".

عن علاء بن الشخير أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل وجهه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق" ثم أتاه عن شماله فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق" ثم أتاه من خلفه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه فقال: "مالك لا تفقه حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت"، رواه محمد بن نصر المروزي، وكما قال تعالى في سورة الأعراف: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، أجيب عنه بأنه - صلى الله عليه وسلم -، غضب لما ظهر من قوله من ترك الاقتداء بفعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله وتقديره في جميع الأحكام، فيجب علينا اتباعه - صلى الله عليه وسلم - كما أمرنا تعالى في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

قال علي القاري: نعم له خصوصيات معلومات عند العلماء الكرام، لكنه عليه السلام حيث دله على الحكم بفعله تبين أنه ليس مخصوص حكمه فغضب لأجله، ولا يبعد أن يكون وجه غضبه - صلى الله عليه وسلم - ما ظهر في قول الرجل بحسب فهمه القاصر أنه مغفور فلا يبالي فعل أو ما فعل؛ لأنه إنما يخشى من لم يكن مغفورًا على أن مغفرته مرتبة على الذنب


(١) انظر: شرح الزرقاني (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>