للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسنده والله وما أَهَلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحُلَيْفَة أي: بعد فراغه من صلاته عنده، ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة: ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره، ولا خلفه فالشجرة عند المسجد قال الحافظ: وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ: ركب راحلته حتى استوت به على البيداء، وقد زال الإِشكال ما رواه أبو داود والحاكم (١) من طريق سعيد بن جبير، قلت لابن عباس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إهلاله فقال: إني لأعلم الناس بذلك (ق ٤١٤)، إنما كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج - صلى الله عليه وسلم - حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما، فسمع ذلك منه قوم فحفظوه، ثم ركب فلما انتقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا: إنما أَهَلّ حين انتقلت راحلته، ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمعه، وإنما كان إهلاله من مصلاه، وايم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا كان إنكار ابن عمر من يخص الإِهلال بالقيام على شرف البيداء، وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل انتهى.

قال عياض: ليس من شرط الكذب العمد، فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذا لم يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل، وبسط هذا الولي العراقي فقال: إن قلت: كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليه الكذب، وإنما يطلق الخطأ قلت: الكذب عند أهل السنة: الإِخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا في صدق اسم الكذب، فإن قلت: كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة؛ لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت: زاد ابن عمر التنفير عن هذه المقالة يشنعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره. كذا قاله الزرقاني (٢).


(١) أخرجه: أبو داود (١٧٧٠)، وأحمد (٢٣٥٤)، والحاكم (١٦٥٧)، والبيهقي في الكبرى (٩٠٦١).
(٢) انظر: شرح الزرقاني (٢/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>