للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته أتى إلى الحجر الأسود ووقف ثم قال: "أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ق ٤٢١) استلمك ما استلمتك".

فبلغ مقالته عليًا رضي الله عنه فقال لعمر رضي الله عنه: بلى يا أمير المؤمنين فإن الحجر الأسود ينفع فقال له عمر رضي الله عنه: ما منفعته يا ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو علمت ذلك في كتاب الله تأويله لقلت كما أقول.

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} الآية [الأعراف: ١٧٢] فلما أمروا أن الرب وأنهم العبيد كتب ميثاقًا في رق وألقمه في هذا الحجر أنه يبُعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وفى عهده فهو أمين الله تعالى في هذا الكتاب فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن (١). كما قاله السيواسي في (شرح الملتقى) وقال علي القاري في (شرح مشكاة المصابيح) وبيان ذلك، قال ابن عباس رضي الله عنه مسح الله تعالى أي: مسح ملك من الملائكة يأمره تعالى على ظهر آدم عليه السلام فأخرج أرواح ذريته من صلبه على صورة الذر بعضها أبيض وبعضها أسود وانتشروا على يمين آدم صلوات الله على نبينا وعليه ويساره، فجعل الأرواح عقلاء وخاطبهم حين أشهدهم على أنفسهم بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] وأمرهم بالإِيمان، ونهاهم عن الكفر فأقروا له تعالى بالربوبية ولأنفسهم بالعبودية حيث قالوا: بلى فكان لك منهم إيمانًا فهم يولدون على تلك الفطرة كما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في (الفقه الأكبر)، والمراد بالفطرة: الإِيمان جدد الله هذا العهد والميثاق، وذكر لنا هذا المسمى بإرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنزال القرآن، وفرض على الناس حج البيت ليحجوا به ويقبلوا الحجر الأسود ويجددوا عهودهم وميثاقهم السابق، فإن قيل: من حج فاستلم الحجر الأسود فقد جدد عهده وميثاقه السابق في عالم الأرواح، أما من لم يحج ولم يستلم الحجر الأسود بأي شيء يجدده؟ قلت: يجدده بقوله: الله أكبر في افتتاح الصلاة كما بيناه في باب افتتاح الصلاة من


(١) رواه بتمامه الحاكم (١٦٨٢)، والبيهقي في الشعب (٤٠٤٠)، والرافعي في التدوين (٣/ ١٥١)، وقال البيهقي: أبو هارون العبدي غير قوي، وأبو هارون هذا هو عمارة بن جوين، كذبه حماد بن زيد، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين: ضعيف لا يصدق في حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، ميزان الاعتدال (٥/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>