للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن العربي: إن صار كالنعلين جاز وإلا فمتى سترا من ظاهر الرِّجْل شيئًا لم يجب إلا للفاقد، وهو من لا يقدر على تحصيله لفقده، أو ترك بذلك المال له أو عجزه عن الثمن إن وجد معه أو عن الأجرة، ولو بيع بغير فاحش لا يلزمه شراؤه أو وهب له لم يلزمه قبوله إلا إن أعير له، وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد نعلين.

وقال الحنفية يجب كما إذا احتاج لحلق رأسه يحلق ويفتدي، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه وقعت الحاجة، وأيضًا لو وجبت فدية لم يكن للقطع فائدة لا تجب إذا لبسهما بلا قطع، فإن لبسهما مع وجود نعلين افتدى عند مالك والليث.

وقال أبو يوسف: لا فدية، وعن الشافعي قولان: وظاهر أيضًا أن قطعهما منوط في جواز لبسهما، خلافًا للمشهور عن أحمد في إجازة لبسهما بلا قطع، لإِطلاق حديث ابن عباس وجابر في الصحيحين بلفظ: "ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين" (١) وتعقب بأنه يوافق حمل المطلق على المقيد، فينبغي أن يقول به هنا، فإن حمله عليه جيد لأن التقييد ورد بصفة الأمر، وذلك زيادة على الصور المطلقة، فلو عمل بالمطلق، الذي هو حديث ابن عمر يقول عمرو بن دينار، وقد روى الحديثين. انظروا أيهما قبل. رواه الدارقطني، وقال: إن أبا بكر النيسابوري قال: حديث عمر قبل؛ لأنه بالمدينة قبل الإِحرام، وحديث ابن عباس بعرفات، وأجاب الشافعي عن هذا في (الأم) فقال كلاهما صادق حافظ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون غربت عنه أو شك أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته ويؤيده أنه ورد في بعض طرق حديث ابن عباس موافقته لحديث ابن عمر، أخرجه النسائي (٢) عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما (ق ٤٥٩). أسفل من الكعبين. وإسناده صحيح وزيادة الثقة مقبولة، وبعضهم سلك الترجيح.

فقال ابن الجوزي: حديث ابن عمر اختلف في رفعه ووقفه، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه.

قال الحافظ: وهو مردود فلم يختلف عن ابن عمر رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة، على أنه اختلف في حديث ابن عباس، فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد


(١) أخرجه البخاري (١٤٦٨) ومسلم (١١٧٧).
(٢) النسائي (٥/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>