ومما انفردت به أيضًا نسخة محمد الحديث المشهور الذي أخرجه مالك، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: سمعتُ علقمة بن وقّاص يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
يقول (اللكنوي): هذا الحديث ليس في رواية غير محمد من الموطآت، وظن ابن حجر في (فتح الباري)، وفي (التلخيص الحبير)، أن الشيخين أخرجاه عن مالك، وليس في (الموطأ)، وقد نبه السيوطي على خطئه في (التنوير)، والحديث مشهور رواه أكثر من مئتي رجل كما ذكره الحافظ في (النخبة)، وتلك المنفردات تدفعنا إلى التعرف على اختلاف هذا الموطأ عن غيره في الإِسناد، فعلى الرغم مما قيل عن إسنادات موطأ محمد فإن فيه أحاديث موصولة الانقطاع في رواية يحيى، ومنها: مالك أخبرنا، أخبرنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضّبُع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعَنَاق، وفي اليربوع بِجَفْرة.
والحديث منقطع في رواية يحيى لعدم الواسطة بين أبي الزبير: محمد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي المكي، وبين عمر، فهو يروي عن جابر، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ولا يروي عن عمر.
ويحصي المعلق في الموطأ (٢٦٩) حديثًا نبويّا و (٣٦٦) أثرًا أو قولًا لصحابي وتابعي، وهذا الإِحصاء لا يعبر بدقة عن عدد أحاديث (الموطأ) أو آثاره، كما أورده اللكنوي سابقًا، فقد أسقط أحاديث وآثارًا كثيرة منها الأوامر والنواهي والأقضية والأفعال.
وعلى كل حال؛ فإن مما يوسع الاختلاف بين (موطأ محمد) و (موطأ يحيى) من ناحية الحديث والآثار نصّا وإسنادًا بطريق الإِمام مالك وحده: ما تقدم الكلام عنه في اختلاف الموطأين.