للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب الهدي قارنًا أو متمتعًا عن إحرامه حتى يَحِلّ منهما جميعًا أي: يخرج من الحج والعمرة معًا، بأن يحلق أو يقصر بعد الرمي والذبح يوم النحر. وفيه دلالة على أن السبب في بقاء من ساق الهدي، كما يقول أبو حنيفة وأحمد وجماعة متمسكين برواية عقيل عن الزهري في الصحيحين فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من أحرم بعمرة ولم يهد فلا يحلل حتى ينحر هديه، ومن أحرم بحج فليتم حجة" وهي ظاهرة في الدلالة لمذهبهم، وقال مالك والشافعي وجماعة: يحل بتمام العمرة قياسًا على الإِجماع على من يسق هديًا؛ ولأنه يحل من نسكه فوجب أن يحل له كل شيء وأجابوا عن هذه الرواية بأن فيها حذف بينته رواية مالك هذه، وتقديره: ومن أحرم بعمرة وأهدى فليتحلل بالحج، وحينئذ فلا يحل حتى ينحر هديه، وهذا التأويل متعين؛ لأن فيه جمعًا بين الروايتين لأن القصة واحدة والمخرج واحد وهو عائشة قالت: فقدمتُ مكة وأنا حائض، جملة إسمية وقعت حالًا كان ابتداء حيضها بسوق كما صح عنها وذلك يوم السبت لثلاث خلت من ذي الحجة ولم أطف بالبيت أي: طواف العمرة؛ لأن الطهارة شرط فيه؛ ولأنه في المسجد ولا تدخله الحائض ولا بين الصفا والمروة، أي: للعمرة؛ لأن شرطه تعقب الطواف.

قال الطيبي: عطف على المنفي قبله على تقدير ولم أسع، هذا مثال من يقول: علفتها تبنًا وماء باردًا، ويجوز أن يقدر ولم أطف على تقدير المجاز لما في الحديث وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ولعل هذا المجاز من قبيل تسمية المقارن باسم قرينه، وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب، لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة؛ لأن حقيقته الطواف الشرعي لم توجد لأنها الطواف بالبيت، وأجيب أيضًا بأنه سمي السعي طوافًا على حقيقته اللغوية، فالطواف لغة المشي فشكوتُ ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل عليها وهي تبكي فقال: "ما يبكيك" فقلت: لا أصلي كما في رواية عنها في الصحيح كنَّت بذلك عن الحيض، وهي من لطيف الكنايات.

وفي مسلم عن جابر: أن دخوله عليها وشكواها كان يوم التروية فقال: "انقُضي بضم القاف وكسر الصاد المعجمة رأسك، أي: حلي ضفر شعر رأسك وامتشطي، أي: سرحيه، والمعنى: اخرجي من عمرتك وأهلِّي بالحج، أي: وأحرمي به ودعي العمرة"، أي: اتركيها برفضها، ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تجعل عمرتها حجًا، ولذا قالت يرجع الناس بحج وعمرة، فأعمرها من التنعيم واستشكل أن العمرة لا ترفض كالحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>