وقال مالك: ليس العمل على هذا الحديث قديمًا ولا حديثًا، قال ابن عبد البر: يريد لبس العمل عليه في رفض العمرة وجعلها حجًا بخلاف جعل الحج عمرة، فإنه وقع للصحابة، واختلفوا في جوازه من بعدهم وأجاب جماعة منهم الشافعي باحتمال أن معنى دعي عمرتك، اتركي التحلل منها وأدخلي عليها الحج، فتصير قارنة ويؤيده قوله في رواية مسلم وأمسكي على العمرة، أي: على أعمالها وإنما قالت: وأرجع بحج لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين. ولمسلم أيضًا: فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: "طوافك يسعك لحجك وعمرتك" فهذا صريح (ق ٥٠١) في أنها قارنة، وتعقب بأن قوله:"انقضي رأسك وامشطي" ظاهر في إبطال العمرة، وأن المحرم لا يفعل مثل ذلك لتأديه إلى نتف الشعر، وأجيب بجوازهما للمحرم حيث لا يؤدي إلى نتف الشعر مع الكراهة لغير عذر، وكان ذلك لأذى برأسها فأباح لها ذلك كما أباح لكعب بن عميرة الحلاق لأذى برأسه ونقض رأسها لأجل الغسل، لتهل بالحج ولا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر. ولعل المراد بالامتشاط تسريح شعرها بأصابعها برفق، حتى لا يسقط منها شيء ثم تضفره كما كان أو عادة الشكوى بعد رمي جمرة العقبة فأباح لها الامتشاط حينئذ.
قال المازري: هو تعسف بعيد من لفظ الحديث أو كان مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة.
قال الخطابي: وهذا لا يعلم من جهة قالت: أي: عائشة ففعلت؛ بسكون اللام أي: عملت ما أمرت به من النقض والامتشاط والإِهلال بالحج وترك العمرة بظاهره. استدل الحنفية على أن المرأة إذا أحرمت بالعمرة متمتعًا فحاضت قيل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردًا، كما صنعت عائشة رضي الله عنها، فإنها تركتها وحجت مفردة، ويقويه ما لأحمد عن عطاء عنها وأرجع بحجة ليس معها عمرة، ورد بأن في رواية عطاء عنها ضعفًا. وفي مسلم في حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أهلي بالحج" حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال: فتحللت من حجك وعمرتك قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حجت قال: "فأعمرها من التنعيم" فهذا صريح في أنها كانت قارنة، وإنما أعمرها من التنعيم تطييبًا لقلبها لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة، وفي رواية مسلم: وكان - صلى الله عليه وسلم - رجلًا سهلًا إذا هويت الشيء تابعها عليه فلما قضينا الحج أي: أديته