للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عبد البر: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن يخضب، وتعقبه في (المفهم) بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو ذو وقرة وفيها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران قال لي العراقي: وكان ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط. كذا قاله الزرقاني.

وأما الإِهلال، أي: الإِحرام من أول الهلال فتركته، وأخرته إلى يوم التروية فإني لم أرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُهل أي: يحرم مطلقًا بحج أو عمرة حتى تنبعث به راحلته أي: تستوي قائمة إلى طريقها والمعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتقدم على زمان الإِحرام ولا على مكانه وأنه جوز التقديم بالشروط الواردة في شأنه؛ فإن اتبعه لا أتقدم عليه ولا أتأخر عنه، فإنه كمثال المتابعة.

قال محمد: هذا أي: الذي ذكر كله أي: جميعه حسن، أي: مستحسن، والاستحسان في اللغة هو عد الشيء واعتقاده حسنًا، وفي الاصطلاح: هو اسم لدليل من الأدلة الأربعة يعارض القياس الجلي ويعمل به إذا كان أقوى منه، سموه بذلك لأنه في الأغلب يكون أقوى من القياسِ الجلي فيكون به قياسًا مستحسنًا قال الله تعالى: في سورة الزمر: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٧، ١٨] كذا قاله السيد الشريف (محمد الجرجاني الحنفي) ولا ينبغي أي: بل يكره أن يستلم من الأركان إلا الركن اليماني والْحَجَر، أي: أن استلام مما ينبغي أن لا يترك، وقدم اليماني وإن كان حقه التأخر إيماء إلى ما سيق من التغليب وهما اللذان استلمهما ابن عمر، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا أي: أتباع أبي حنيفة، وتبعه الأربعة، وعن ابن عباس وابن الزبير وجابر أن استلام الركنين الآخرين يستحب ويسميان الشاميين بتغليب الشامي على العراقي. كذا قاله علي القاري.

* * *

٤٧٩ - أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق، أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة، أن


(٤٧٩) حديث صحيح: أخرجه الشافعي في الأم (٢/ ١٧٦) والبخاري (١٥٨٣) ومسلم (٣٩٩) والنسائي في الحج (٥/ ٢١٤) وفي التفسير في الكبرى كما في تحفة الأشراف (١١/ ٤٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>