قال الحافظ: وفي هذا كله استحباب التقليد والتجليل والإِشعار وذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمقرر أن إخفاء العمل الصالح غير الفروض أفضل من إظهاره، فأما أن يقال: إن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإِحرام والطواف والوقوف، فكان الإشعار والتقليد كذلك فيختص ذلك من عموم الإِخفاء وأما أن يقال: لا يلزم من التقليد والإِشعار وغيرها إظهار العمل الصالح؛ لأن الذي يهديها يمكنه أن يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول: إنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل، وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضًا وإنما يقال: إن التقليد جعل علمًا لكونها هديًا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيما انتهى.
ولعل الجواب بالتخصيص أولى كذا قاله الزرقاني (١) والقَبَاطي، بفتح القاف جمع قبطية بالضم وهو ثوب من ثياب مصر دقيقة بيضاء كأنها منسوبة إلى القبط، وهم أهل مصر وضم القاف من تغير النسبة، وهذا من الثياب وأما الإِنسان القبطي بالكسر لا غير والأنْمَاطِ؛ بفتح الهمزة جمع النمط بفتحتين، وهو ثوب من صوف مطرح على الهودج. كذا في (المعرب) وقيل: ضرب من البسطة له حمل رقيق وهو بفتح الخاء المعجمة والميم المفتوحة واللام يقال له باللسان التركية: سحيق ثم يبعث أي: يرسل بعد نحرها بِجِلالها، فيكسوها الكعبة، أي: فيلبسها إياها تعظيما لها عن نظر الحقارة إليها قال: أي: نافع فلما كُسِيَتْ الكعبة بصيغة المجهول أي: لبست هذه الكسوة بالنصب، وهي بالضم والكسر الثوب واللباس على ما في (القاموس) وفي (المصباح)، والكسر أشهر والمعني أن الكعبة حين كسيت الكسوة المعروفة أقْصَرَ مِنَ الجِلال بفتح الهمزة والصاد والراء المهملتين المفتوحتين على أنه ماض، أي: ترك ما كان يفعله من أن يكسوها الجلال؛ لاستغنائها عنها ويصرفها في محل آخر أهم منها أول من كسى الكعبة تبع ملك اليمن، ثم كسا العرب في الجاهلية، ثم كساها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالثياب اليمانية، كساها عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما بالثياب القباطية ثم كساها ابن الزبير رضي الله عنه ثم بعد ذلك يبعث كل سنة بالديباج لكسوة الكعبة المشرفة، وأول من كسا البيت بالديباج والدة العباس بن عبد المطلب حين أضلت العباس صغيرًا فنذرت إن وجدته نسكوا الكعبة المشرفة فوجدته ففعلت، وأول من جرد الكعبة وكشفها وطرح عنها الكسوة في الجاهلية، وكانت قبل ذلك لا تجرد