للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهملوا أولادهم بعد ذلك، فقد أصروا على لسان المفتي الكبابطي سنة ١٨٤٣ على ضرورة تعلم أولادهم القرآن قبل كل شيء. ولعل بعضهم اضطر إلى جلب المعلمين (المؤدبين) إلى منازلهم.

ونحن وإن كنا نعرف ما يجري في هذه المؤسسة وطقوسها ومنهج التعليم فيها فإننا نورد هنا وصفا حيا لبعض الزوار الأجانب للمدرسة القرآنية أو الكتاب. فيقول السيد بولسكي: إن حصة الحفظ تجري في مدرسة (مكتب) صغير مفتوح عادة على الشارع. وكل المارة يشاهدون ما يجري. الأرض مغطاة بالحصير، والتلاميذ يجلسون عليها حفاة متربعين. ويقف المؤدب وسطهم بعصا في يده. وللتلاميذ ألواح خشبية يكتبون عليها بأقلام مبراة من القصب. وهم يكتبون من إملاء المؤدب. وبعد أن يطلع المؤدب على ما كتبوا، يقرأون جميعا بصوت عال. إن هناك الكثير من الضجيج في هذه المكاتب (يعني أصوات الأطفال وهم يقرأون). وقلما يفقد المؤدب صبره، وقلما يستعمل العصا، وله شخصية مهابة، والتلاميذ غالبا ما يظهرون الحماس والاهتمام. ثم أن الصياح والقراءة العالية تشغل التلاميذ عما يجري في الشارع وعن الزوار. إن هناك علاقة متينة وثقة متبادلة بين المؤدب والتلاميذ. وقد يؤدب المؤدب التلميذ بكلمات يترتب عليها أسفه. وعلاقة الود والاحترام بين المؤدب والتلميذ تستمر مدى الحياة ولا تنتهي بالخروج من المدرسة. وعدد التلاميذ الحاضرين لا يكاد يتجاوز الإثني عشر. ويغادر التلميذ المدرسة إذا وصل عمره الرابعة عشرة. ويدفع كل واحد منهم إلى المؤدب حوالي ربع بوجو شهريا (١).

وهذا وصف آخر لمدرسة قرآنية - في العاصمة أيضا حوالي ١٨٤٧. وفيه بعض الاختلاف يدل على أن التجربة غير واحدة للزآئرين. فالمؤدب هنا شيخ طاعن في السن، متكئ في المكتب، وله نظارتان قديمتان، وصوت متهدج ومرتعش. وبيده عصا قلما يستعملها. والمكتب عبارة عن دكان ضيق حشر


(١) بولسكي (العلم المثلث على الأطلس)، لندن، نيويورك، ١٨٥٤، ص ٢٢. في النص (أربعة لربع بوجو).

<<  <  ج: ص:  >  >>