للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندئذ، ومن غزل القوجيلي (١):

والدمع باح بذا الهوى وأبانه ... الحب صعب والرقيب أعانه والحب يستدعي القلوب إلى الهوى ... فتجيبه منقادة ولهانة

والصب يطمع في وصال حبيبه ... بعد التذلل لا يمل إهانة

حتى ليقنعه المرور صبابة ... يستنشق الأطلال كالريحانة

وهناك عدد من الشعراء كانوا يتغزلون ولا يبوحون، وهناك آخرون كانوا يفتتحون قصائدهم في المديح وغيره بأبيات غزلية قوية حتى كأنها هي المقصودة، كما فعل أحمد بن سحنون ومحمد بن الشاهد وغيرهما، ومع ذلك فقد سيطرت روح العصر، فكان الشعراء يتعففون وهم غير عفيفين وإنما يتكلفون ذلك تكلفا، وقد احتار ابن علي بين الغزل والمنصب (وظيفة الفتيا) وشعر أن منصبه لا يليق به الغزل فقال صراحة إنه لولا خطة الفتوى والخطابة

لكان مثل مجنون ليلى في عشقه:

لولا، وحقك، خطة قلدتها ... زهرت بها في الخافقين شموعي ومنابر فيها رقيت إلى العلى ... وقد استدار بها كثيف جموع

لنحوت منحى العامري صبابة ... ولكان من حرق الجوى مشفوعي (٢)

وهذا بالطبع يكشف عن التناقض بين الإحساس الشخصي والمسؤولية،

بين الفرد والمجتمع، وإذا كان ابن علي، وقليل غيره، قد تركوا لنا بعض أشعار الغزل، فإن الآخرين قد كبتوا عواطفهم أولا وأخفوا أشعارهم الغزلية ثانيا. وتظاهروا بالورع حتى يقبلهم المجتمع.

[الوصف]

وكثيرا ما كان وصف الحبيبة طريقا إلى وصف الطبيعة والعكس، ومن شعراء وصف الطبيعة بلا منازع أحمد بن عمار، فقد وصف الرياض


(١) (ديوان ابن علي) مخطوط، وقد توفي القوجيلي سنة ١٠٨٠.
(٢) ابن عمار (النحلة)، ٧٧. وسنعرض إلى غزل ابن الشاهد في الأجزاء الأخرى من الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>