معهم بل يستحي كثير منا أن ينسب بالتلمذة لمن كان خاملا، ويكون جل انتفاعه بذلك الخامل، فيعدل عن الانتساب إليه إلى من هو مشهور عند الظلمة .. ويرحم الله المشارقة ما أكثر اعتناءهم بمشائخهم وبالصالحين منهم خصوصا) (١).
وهذه الأمور (الحكام، وأحوال العصر، وموقف الناس من العلماء الصالحين) مجتمعة ومتفرقة هي التي جعلت عددا من علماء الجزائر خلال القرن التاسع يهاجرون منها. ويكفي أن نلقي نظرة على تراجم بعضهم في كتب التراجم مثل (الضوء اللامع) للحاوي و (نيل الابتهاج) للتنبكتي و (البستان) لابن مريم و (انباء الغمر) لابن حجر لندرك مدى الخسارة التي منيت بها الثقافة الإسلامية في الجزائر بهجرة العلماء.
[التاريخ والسير]
ترك الجزائريون أعمالا هامة في التاريخ والتراجم والسير خلال القرن التاسع (١٥ م) بعضها ما يزال مرجعا إلى اليوم. حقا إن جل هذه الأعمال كان مرتبطا باسم سلطان من السلاطين أو دولة من الدول المحلية غير أن الجهد العلمي بقي محتفظا بقيمته رغم مرور القرون عليه. ومما نلاحظ أن بعض هذه الأعمال قد كتبه علماء تغلب عليهم تخصص آخر غير التاريخ، مثل التنسي الذي اشتهر بدراسته الحديث والفقه والأدب، ومثل ابن القنفذ الذي تغلبت عليه العلوم كالحساب والأسطرلاب والفلك، ومثل الثعالبي
(١) ابن مريم، ٧ ويعني السنوسي (بالخامل) العالم الصالح الذي اعتزل عن الشهرة ولم يتقرب للسلطان، وهو المعنى الذي يوضحه في حديثه عن الشرقيين. فلهذا لا يهتم أهل تلمسان (وهو يعني الجزائر لذكره المغرب من قبل) بالعلماء الصالحين بل بأصحاب الشهرة لدى السلاطين. وهي ظاهرة ما تزال موجودة إلى الآن. فالجزائري اليوم يحترم الموظف في الدولة أكثر من احترامه لأي مثقف مستقل مهما بلغت قيمته. ونفس المقولة نقلها عن السنوسي أيضا محمد بن سليمان في (كعبة الطائفين) ٢/ ٩٩. نسخة باريس.