كان المثقفون باللغة العربية يعيشون وضعا خاصا زمن الاستعمار، فهم يعرفون أن ثقافتهم لها أصول ولها فروع، أما الأصول فهي الثقافة العربية القائمة على اللغة العربية والوعاء الحضاري الإسلامي، ولذلك فإن بقايا المثقفين بالعربية كانوا يعتقدون أنهم هم أصحاب البلاد، فهم الذين حافظوا على التركة الماضية من الاندماج والذوبان في ثقافة الغير، كانوا يعتقدون رغم شعورهم بالموقف الدفاعي - أنهم هم الحصن الذي يحمي الهوية والتراث وأن ثقافة المحتل لا يمكنها أن تمحو ثقافة البلاد المستعمرة مادام هناك تواصل للأجيال داخل الثقافة الأصيلة، ولذلك حرصوا على استمرار تعليم القرآن بدون فهم وحفظ التراث بدون تطوير والتشبث بالماضي اعتمادا على معطيات المستقبل، فالهزيمة وقعت ولكن الانقراض لن يحدث.
أما المثقفون بالفرنسية فقد تقبلوا الواقع واحتملوا التاريخ ورأوا أن الاستعمار له مزايا كما له مساوى، فقد حطم القيم الروحية والكيان السياسي والاقتصادي للجزائر، هذا صحيح، ولكنه فتح أعين البعض على حقيقة التقدم والتخلف، وأنشأ جيلا من العقلانيين والمتعلمين بلغته المنفتحين على الحضارة الأوروبية، مما فتح المجال أمام الاتصال بالآخر، ومعرفة مدى تقدمه والعمل على مشاركته ومعايشته، صحيح أن هناك صراعا بين الأجيال، بين المتعلم بالفرنسية والمتعلم بالعربية، وقد تطور هذا النزاع أثناء حرب التحرير، فقد كانت الضرورة والمعركة الحاسمة ضد الاستعمار قد حتمت لقاء الأجيال على خط واحد وبذلك تحقق تركيب مدهش على الأرض، وقد استسلم الكبار للأمر وفهموا أن الشباب في العهد الجديد لهم الحق في الذهاب إلى الأمام، وهو يكن احتراما كبيرا للقيم القديمة، والحقيقة أن المرء لا يتوقع أكثر من ذلك بين ثقافة فرنسية وثقافة تقليدية، إن الثقافة التقليدية يرجع إليها الفضل في تحصين الجزائر ضد الجهود الاستعمارية لطمس الهوية عند نشر الثقافة الفرنسية بدلها، كما أن عقلانية الثقافة الفرنسية أدت إلى هدم ما كان في ثقافتنا التقليدية من مضادة للعلوم (؟).