نخصص هذا الفصل لعلوم التفسير والحديث والفقه، وكذلك الأثبات أو الأسانيد، والإجازات سواء كانت علمية أو صوفية، وستلاحظ أن التأليف في تفسير القرآن الكريم كان قليلا، وكذلك في الحديث الشريف. وتبعا لذلك ضعفت دراسة الفقه والتأليف فيه أيضا. ولسنا في حاجة، ربما، إلى القول إن ضعف التأليف في هذه المواد يرجع إلى ضعف الدراسات القرآنية والشرعية عموما، وهي تابعة إلى ضعف الثقافة العربية والإسلامية. وأنت إذا رجعت إلى فصول التعليم والثقافة ستكتشف أن ما خططه الفرنسيون منذ الاحتلال كان يرمي إلى قتل هذه الدراسات العربية والإسلامية وما ينجر عنها من تأليف وإنتاج وبحث. وقد تحقق هدفهم في ذلك إلى حد بعيد بالنسبة للتأليف في علوم التفسير والحديث والفقه والعلوم الدينية عموما.
يحتاج التأليف في علوم القرآن إلى ثقافة واسعة معاصرة وتراثية، وفهم عميق لأسرار اللغة وأسرار الإعجاز القرآني، وكذلك إلى ثقافة تاريخية كبيرة، وكل ذلك لا تقوم به إلا المؤسسات العريقة والتقاليد العلمية الراسخة. وقد لاحظنا أن التأليف في العلوم القرآنية كان ضعيفا حتى في العهد العثماني وأرجعنا ذلك إلى أسباب ذكرناها، منها غياب جامعة إسلامية ذات تقاليد راسخة في الثقافة العربية، كالأزهر والزيتونة والقرويين، ومنها هجرة العلماء الأعلام إلى البلدان الإسلامية بحثا عن العلم والسمعة والرزق. وقد استمر الوضع كذلك في العهد الفرنسي مع التدخل المباشر والمقصود من أجل فرض الجهل وطمس اللغة العربية وثقافتها وإحلال اللغة الفرنسية وثقافتها محلها. كما أن روح الجمود قد ازدادت انقباضا وانكماشا أمام الهجمة الفكرية الاستعمارية، فكان الهروب إلى الزوايا والتصوف من جهة،