للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الهيئة الدينية]

وجد الفرنسيون ساعة الاحتلال هيئة دينية قائمة الذات، وكانت تتألف من العلماء الذين يشملون القضاة والأيمة والمفتين والمدرسين، الخ، وكان على رأس هؤلاء (شيخ الإسلام). الذي كان مقدما عن جميع العلماء، وكان في المراسيم الرسمية يقدم على غيره احتراما للدين والعلم، وللعلماء مجلس أعلى يعقد أسبوعيا للنظر في القضايا الشائكة أو المعلقة التي لم يستطع القضاة أن يجدوا لها حلا، وكان يحضر هذا المجلس المفتون والقضاة وكبار العلماء والداي أو ممثله، وفي عاصمة كل إقليم (قسنطينة، وهران بالخصوص) مجالس مشابهة، وفي قسنطينة بالذات كان منصب شيخ الإسلام منحصرا في عائلة الفكون منذ القرن العاشر الهجري، وكان مقدما على جميع العلماء وله مكانة روحية وسياسية يستطيع بها أن يسقط البايات وأن يحمي الهاربين إليه من الحكم بالإعدام، وبالإضافة إلى ذلك كان شيخ الإسلام معفي من الضرائب وكل الالتزامات المالية (١).

هذا الوضع كان يعرفه الفرنسيون جيدا عند الاحتلال، وقد عنوه، كما عناه الداي، عندما وقعوا اتفاق ١٨٣٠ الذي نص على حرية العقيدة وعلى احترام الدين الإسلامي والمساجد، الخ، ولكن ذلك الاحترام لم يدم طويلا، وكان الاتفاق المذكور، كما قال عنه كلوزيل، وهو يرد على حمدان خوجة، مجرد (لعبة حرب) في نظرهم، وهكذا بقي الإسلام تحت النفوذ الفرنسي، مضطهدا أكثر من قرن، كما قال ماسينيون (٢). ومن أوائل ما فعل الفرنسيون هو نفي (شيخ الإسلام) وهو محمد ابن العنابي، وإلغاء هذا المنصب سنة ١٨٣٠، كما أن وظيفة شيخ الإسلام قد ألغيت في قسنطينة منذ احتلالها سنة ١٨٣٧، وكان آخر من لقب بذلك هو محمد الفكون الذي كان عمره ثمانين


(١) انظر كتابنا (شيخ الإسلام، عبد الكريم الفكون). بيروت، ١٩٨٦، وكذلك (رائد التجديد الإسلامي: ابن العنابي). ط ٢، ١٩٨٩.
(٢) ما سينيون (الحولية). باريس، ٩٥٥ ١، ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>