للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتمرس بعد على فن الكتابة (١).

[الخطابة]

أشرنا إلى أن الخطابة غير جديدة، ولكنها غير شائعة لمحدودية مجالها في الجزائر، فالأعمال الوطنية كانت كلها سرية تقريبا، والمناضلون كانوا يجتمعون سرا ويتداولون همسا، ولا يتصلون بالجمهور في معظم الأحيان إلا بطرق غير مباشرة كالمناشير والرسائل والنداءات، ورغم وجود تنظيمات سياسية منذ الحرب العالمية الأولى فإن ميدان الخطابة أمامها بقي محدودا، وقد عالجنا ذلك في محله من كتابنا.

كما أشرنا إلى أن الخطابة الدينية لم تكن كسالف عهدها، ذلك أن رجال الدين الرسميين كانوا لا يتجاوزون الخطوط الحمراء المحددة لهم في قرار التوظيف أو قرار الرضى عنهم، فمكانهم هو المساجد والزوايا وجمهورهم عامة الناس الذين يغلب عليهم الجهل والأمية، فلا مجال لرجال الدين إذن في الخطابة كفن من فنون الأدب والبلاغة والجهر بالقول.

حقيقة أن زعماء الحركة الإصلاحية استعملوا الخطابة المرتجلة إلى حد ما، وكانت صلتهم بالعامة أكثر حرية من زملائهم السياسيين ورجال الدين الرسميين، وكانوا يسمون خطبهم (دروسا) في الوعظ والإرشاد، وإذا بالغوا في دروسهم وذهبوا إلى الإثارة فإن مآلهم التوقيف عن التدريس وربما الاتهام بالإساءة إلى النظام العام كما فعلوا، مع الشيخ العقبي خلال الثلاثينات، وكان العلماء حتى في عهد الثورة الأول يستعملون شهر رمضان لبث الأفكار الدينية في قالب وعظي، ويدعون إلى المبادى الإصلاحية والاجتماعية التي يؤمنون بها، وكانوا يوزعون أنفسهم على مراكز عبر القطر فيستفيد من (دروسهم)


(١) بعض هذه الدراسات والمقالات نشر في كتابنا دراسات في الأدب الجزائري الحديث، وفي تجارب في الأدب والرحلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>