للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتضح مما سبق أن عدد المساجد في الجزائر لم يكن قليلا. وقد اشترك في تأسيسها الأهالي والعثمانيون على السواء. وكان هؤلاء يهتمون ببناء المساجد بدوافع دينية محضة في أغلب الأحيان كما جعلوها لخدمة المذهب الحنفي، بل إن وظيفة المدرس عندهم كانت لا تخرج عن ذلك أيضا. فمعظم الأوقاف تنص بشأن التعليم على كون المدرس متخصصا في التفسير أو الحديث أو غيرهما من العلوم الشرعية. فكانت الأوقاف تعرف في أغراض دينية كالقيام بشؤون الجامع والخطبة والإمامة والأذان، أو بأمور تعبدية صرفة كقراءة تنبيه الأنام والمحمدية ودلائل الخيرات والتعريف ونحوها. ثم ان الأوقاف لم تسلم من الاختلاس وسوء التصرف سواء من السلطة نفسها أو من الوكلاء. ومع ذلك فإن وجود الأوقاف والمساجد على النحو الذي تحدثنا عنه كان يعطي للجزائر العثمانية طابعا إسلاميا موحدا تلتقي فيه اهتمامات الحكام والمحكومين، بل كان مظهرا من مظاهر الجهاد والإحساس المشترك الذي عالجناه في غير هذا. ولعل هذا الطابع الموحد يتجلى بصورة أكثر وضوحا في العناية بالزوايا والرباطات والقباب ونحوها من مظاهر خدمة الدين وأهله.

[الزوايا والرباطات]

١ - من أبرز ميزات العهد العثماني في الجزائر انتشار الطرق الصوفية وكثرة المباني (الزوايا ونحوها) المخصصة لها. ففي المدن والأرياف، في الجبال الشاهقة والصحارى القاحلة عاش معظم المتصوفة يبثون عقائدهم ويلقنون أتباعهم الأذكار والأوراد مبتعدين عن صخب الحياة الدنيا مؤثرين العزلة والعبادة، وكثيرا ما كانوا يعلمون المريدين والعامة مبادئ الدين أيضا. فإذا اشتهر أحدهم بين الناس أسس له مركزا يستقبل فيه الزوار والغرباء


= وراء قتله. انظر الزهار (مذكرات) ٦٤. وهناك عدد من المصادر تتحدث عن سيرته وعهده مثل العنتري وابن المبارك، وفايسات والأنبيري.

<<  <  ج: ص:  >  >>