للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجانبة أهل الحكم واتباع قواعد الدين، كما سنعرف بعد قليل. ولكن كثرة هذا الصنف المنحرف خلال العهد العثماني وسكوت أرباب السلطة عليه وتبادل الرشى والهدايا بين الطرفين تدل على المرض الذي أصاب المجتمع الجزائري آنذاك، دينيا وسياسا وأخلاقيا. فهذا الصنف من أدعياء التصوف كان يستعمل جميع الوسائل لاستغلال العامة ونشر الجهل والخرافة بينها.

[حالة التصوف]

منذ أواخر القرن التاسع (١٥ م) حث محمد السنوسي على العناية بالأولياء والصلحاء المعاصرين، بدل الاهتمام بالغابرين منهم. وقد نقل عنه أنه قال (إن النفوس في هذه الأزمنة المتأخرة قد يمنعها من الاجتهاد في العمل الصالح ورياضة النفس عنها أن الولاية قد طوي بساطها فترى أن الاجتهاد لا فائدة فيه) (١).

وبوحي من هذا الرأي اندفع تلاميذ السنوسي ابتداء من القرن العاشر يؤرخون للمرابطين والأولياء والصلحاء الغابرين والمعاصرين على حد سواء. ثم كثر الاعتناء بالمعاصرين على الخصوص. وبذلك ظهرت تآليف ابن صعد والملالي والصباغ والبطيوي وابن مريم والفكون وابن سليمان والورتلاني وغيرهم. وجميعهم كانوا يتناولون بالدرس والتعريف تراجم الأولياء والصلحاء في مختلف العصور، ولا سيما الذين عاصروهم واتصلوا بهم عن طريق التلمذة مباشرة أو غير مباشرة.

وكثرت العناية أيضا بدراسة التصوف وما يتصل به من مناقب وأذكار ومرائي وعلوم أهل الباطن. وقد عرفنا أن عددا من الأساتذة كانوا يتناولون تدريس التصوف في مجالسهم العلمية. فقد عرف سعيد قدورة بتدريسه كتاب (الحكم) و (التنوير) لابن عطاء الله لطلابه. وكذلك كان علي بن عبد الواحد الأنصاري يدرس التصوف من بين المواد الأخرى. وكان عمر الوزان منكبا


(١) ابن مريم (البستان)، ٦. عن حياة السنوسي. انظر الفصل الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>