إن فنون النثر كثيرة، وسنعرض إليها مفصلة بعد تقديم عام. ونقصد بالنثر الفني الكتابة المتميزة بالطابع الأدبي والمحافظة على قواعد اللغة والتي يعتني أصحابها بالأسلوب. إنها كتابة خاصة وليست عامة. فالخطب المنبرية المعتادة والكتابات الفقهية والفتاوى والنثر التعليمي والرسائل الإدارية المحض وما شاكل ذلك، لا تعنينا هنا.
فإذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار فإننا سنلاحظ أن العهد الذي ندرسه، رغم ضعف المستوى الثقافي عموما وفي اللغة والأدب العربي، قد عرف نماذج من فنون النثر تدل على استمرارية المدرسة القديمة من جهة والتأثر، عند البعض، بالثقافة والتيارات المعاصرة. ومن الجديد في هذا العهد الاهتمام بالمقالة الصحفية، وقد جمع بعضهم مقالاته في كتاب بعد نشرها في الصحف.
وقد حصرنا فنون النثر فيما يلي: المقالة الصحفية، والتقاريظ، والرسائل، والخطابة، والعرائض وما يتصل بها، والبلاغات أو النداءات، والتعازي، والمقامات والروايات والمسرحيات. ويمكن إلحاق فنون أخرى مثل الردود ومقدمات الكتب.
وقبل أن نتحدث عن كل فن نود أن نذكر أننا وجدنا عددا من العلماء قد عرفوا عند المعاصرين بالإجادة في التدريس وتخريج المسائل. وكان تلاميذهم والمعجبون بهم يمدحونهم (بالبلاغة) وحسن القول، دون أن نطلع على تآليفهم، كما أنهم لم يشتهروا بين الناس بالتأليف وإنما بالصناعة في التدريس. فهذا الشيخ أحمد العباسي المتوفى سنة ١٨٣٦ قد تولى وظائف الفتوى والقضاء في عهد الحاج أحمد، باي قسنطينة، ولكنه كان معروفا كأستاذ مؤثر وبليغ. ولذلك كرر مترجموه بأنه كان مشاركا في علم البلاغة من بيان ومعان. وكان العباسي قد تخرج من الزيتونة وتشبع بثقافة