هذا الكتاب هو ثمرة جهود دامت حوالي ربع قرن. فقد كتب عني المرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة ١٩٦٠، بأنني (مشغوف إلى حد الافتتان، بالبحث عن الآثار الأدبية والعلمية لعلماء الجزائر في جميع العصور)(١) وقد كنت حقا مفتتنا بهذا الموضوع منذ بدأت أعي معنى التاريخ والوطنية. وكان هدفي من البحث هو إنتاج عمل يكشف عن مساهمة الجزائر في الثقافة العربية الإسلامية والإنسانية عبر العصور. ذلك أن المستعمرين الفرنسيين قد بثوا طيلة احتلالهم للجزائر بأنه لم يكن لأهلها ماض سياسي ولا ثقافي، وزاد إهمال الدارسين العرب والمسلمين لتاريخ الجزائر من حرصي على البحث والتنقيب. فالجزائر قد ظلمها أعداؤها وأشقاؤها على السواء، و (ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء).
وحين بدأت النهضة الوطنية في الجزائر كان مثقفوها غالبا من خريجي المدارس الفرنسية الذين لم يكن يربطهم بماضي الجزائر سوى الدين وبعض التقاليد والذكريات الشعبية. وقد كان هدفهم الأساسي هو التحرر، ولم يكن الكشف عن دور الجزائر الثقافي جزءا من برنامجهم. بل إن حركة ابن باديس التي ركزت على الجانب الثقافي من النهضة الوطنية، لم تعتن في مدارسها بتاريخ الجزائر الثقافي بقدر ما اعتنت بتاريخ العرب والإسلام عموما. ويعود
(١) من تصديره لكتابي (شاعر الجزائر: محمد العيد ال خليفة) الطبعة الثالثة ١٩٨٤. والتصدير مكتوب سنة ١٩٦٠ للطبعة الأولى.